ظاهرة العنف الأسري في السعودية: الهواجس والتطلعات
11 فبراير 2013 - أ . عالية فريدلا شك ان هناك العديد من صور العنف في المجتمع ولعل أهمها وأبرزها العنف الاسري الذي تتنوع أسبابه، ومن تعريفات العنف لدى ثلة من الباحثين أنه سلوك مكتسب يتعلمه الفرد ويقتبسه من خلال أطوار التنشئة الإجتماعية التي عاشها وتربى عليها. كما أشارت بعض الدراسات أن الأفراد الذين يكونون ضحية للعنف في صغرهم، طبيعيا سوف يُمارسونه على أفراد أسرهم في المستقبل.
وإضافة لتلك الرؤى المهمة هناك بعد آخر، يتمثل في أن القيم الثقافية والمعايير الاجتماعية والموروثات الفكرية تلعب دوراً كبيراً ومهماً في تبرير ثقافة العنف، إذ أن قيم الشرف والمكانة الاجتماعية والعادات والتقاليد والفهم الخاطئ لحق القوامة تحددها معايير معينة تستخدم العنف أحياناً كواجب وأمر حتمي.
إن العنف الأسري هو أشهر أنواع العنف البشري، لاسيما العنف ضد المرأة الذي يشكل ظاهرة عربية وعالمية لا يمكن أن نستثني منها مجتمعاتنا الخليجية ومجتمعنا السعودي بالخصوص، حيث أخذت تنتشر هذه الظاهرة في وقتنا الراهن وزمننا المعاصر المتشكل بالثورة التقنية والإنفتاح على الحضارات المختلفة، ورغم أن الدراسات وعمليات الرصد والمتابعة الدقيقة تبين لنا نسبة تفاقم العنف الأسري في مجتمعنا السعودي
أخذ يشكل ظاهرة خطيرة ومخيفة تتفاوت بحجمها بين مناطق المملكة، حسب ما كشفت عنه تقارير المستشفيات والمراكز الصحية والمؤسسات الأسرية ناهيك عن شياع قضية الطلاق وكثرتها في أروقة المحاكم، التي لا تخلو من قضايا يتقدم بها النساء طلبا لذلك بسبب الإعتداءات الزوجية، وبالرغم من وجود دور لحماية الأسرة ومراكز خيرية لإرشاد الأسرة وتوعيتها ولجان حماية تابعة للشؤون الصحية وبرامج للأمان الأسري وجمعية لحقوق الإنسان، إلا أن النسبة في تزايد وتصاعد مستمر.
ولعل ما تنشره صحفنا من أحداث عنف يومية، أمر لا يستهان به، فكيف بما يتم رصده وملاحظته وما لا تتمكن صحافتنا من الوصول إليه.
الحالة الأولى: قضية الطفلة – لمى – ذات الأربعة أعوام التي أثيرت مؤخرا والتعذيب البشع الذي مورس على مناطق حساسة من جسدها وتعرضها للكي والانتهاك بواسطة العصا والسلك الكهربائي والإعتداء عليها من قبل والدها الذي أودى بحياتها إلى الموت الذي كان أرحم بها على سرير المستشفى، لازالت القضية موضع تجريم وتعجب.
الحالة الثانية: الطفل – راكان – الذي كان عقابه السجائر تطفئ على جسده وإحراقه بالماء الساخن وإجباره على النوم لأيام في الحمام، وحالته البائسة بتقطيع أطراف يديه ورجليه – بزرادية – والتي لازال على أثر هذه الوحشية يتعاطى العلاج في المستشفى.
إنها جرائم وحشية بشعة ناهيك عن ما بلغنا مؤخرا بخصوص أكثر من خمس قضايا، جلها يفصح عما تتعرض له النساء من إهانة على يد أب أو زوج أو أخ ظالم لها ومن مواجهتها لعنف قاسي وسوء معاملة تتألم له المرأة وتظل تعاني الأمرين بين خوف البعض من اللجوء للطلاق ورفع الظلم عن أنفسهن فيجابهن بقهر المجتمع بدءا من الأهل والأقارب بحجة « أن ستر المرأة في بيت زوجها » وما أن تحاول أن تصرخ لتوصل صوتها وتؤكد ذاتها وترفض ما يقع عليها من ظلم راغبة في وضع حد لمعاناتها بالقول أو الفعل سرعان ما يستخف بها عبر إيراد آية قرآنية أو حديث أو رواية تستخدم في غير موضعها ليجعلها تخضع وتستسلم للأمر الواقع ويتم إيقاع اللوم عليها.
ونظرا للتداخل الاجتماعي فالمرأة عادة ما تخاف من الفضيحة وشماتة الآخرين وإتهامها بأنها خربت بيتها بيدها، وبين خوفها على أبنائها وحرصها على أسرتها مما يجعلها تصبر وتتحمل العنف تلو العنف حتى لو كان مدمرا لها ولأسرتها.
فالمرأة المعنفة إذا شكت لأهلها فنادرا ما ينصفوها وسيعدونها مجبرة إلى بيتها لتتجرع مزيدا من القهر والإذلال، وإن لجأت لجهات التظلم والمطالبة بحقها تحرم من تطبيق العدالة لأنها تصدم مع ما تراه من ضعف وقصور في الضمانات الخاصة بحمايتها، لاسيما في المحاكم والجهات المعنية المختصة وعدم وجود قوانين واضحة ورادعة تجاه الطرف المعتدي، الأمر الذي يضاعف الأذى على المرأة بشكل أكبر ويجعلها تماطل وتتراجع في طلب المساعدة وتقديم الشكوى، فتكرار التعهدات التي تؤخذ على المعنف ولجان الإصلاح لم تعد كافية إن لم يوجد قانون حماية وعقوبات واضحة تحمي الأسرة من العنف.
الحالة الأولى: بعد ثلاثة وعشرين عاما قضتها إحدى الزوجات في رحاب أسرتها العامرة بالأبناء يعتدي عليها الزوج كعادته فلم تكن هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها للضرب سواء بيده أو بآلة حديدية، لكن هذه المرة أمام مرأى أولاده – بمدفأة – فيشج رأسها ويجعلها تشخر بدمها بلا رأفة أو رحمة…
بعد معاناة ومسيرة حياة مليئة بالعذاب والألم أدركتها رحمة الباري بعد أن تم حلق شعرها وخياطة جرحها بأكثر من إثني عشرة غرزة.
حالة ثانية: فتاة في العقد الثلاثبن من عمرها تهرب من المستشفى بعد أن أدركت أنه لا ملجأ لها من سجنها وتعذيبها إلا الإستسلام والعودة له مرة أخرى، توفي والدها وتزوجت والدتها وذهبت الى منطقة بعيدة وتركت الإبنة مع إخواتها الصغار تحت سلطة أخ متغطرس في الجور والإنحراف والعربدة والسكر، آلمني منظرها ويداها مشوهتان بالضرب والكي، لأكثر من عشر سنوات وهي تعمل كخادمة له ولزوجته وأبنائه وياويلها إن أخطأت أو شكت له من تعبها أو حتى بمجرد أن ترد على سماعة الهاتف ينهال عليها ضربا وتعنيفا ويحمي ملاعق على النار ويحرق به جسدها، لجأت إلى المستشفى أخذت تشتكي ما بها طلبوا منها معرفا لكن للأسف عمها الوحيد يسكن بعيدا وتعذر عليه الحضور.
أختها الكبرى غير مؤهلة لأنها لتوها خرجت من السجن محكوما عليها في قضية مخدرات، أخواتها الصغيرات مسجونات في البيت مثلها وتم حرمانهم حتى من الدراسة، نصحتها إحدى الممرضات بمراجعة المؤسسات الحقوقية وعندما هاتفتهم أشاروا عليها بدار الحماية الإجتماعية، صفعت على رأسها ولطمت وجهها صارخة وأين أنا حتى أصل لتلك الدار ومسافة بعيدة تفصل بيني وبينها، هربت مسرعة نحو الباب وهي تندب حالها صارخة هذا مصيري أعود إلى السجن مرة أخرى حسبي الله ونعم الوكيل.
حالة ثالثة: زوجة وأم لثلاثة أطفال تملآ الكدمات والجروج وجهها ويديها وآثار الضرب واضحة على جسدها نتيجة إعتداء من الزوج نتيجة خلاف أسري بينهما تصل لحالة حرجة إلى المستشفى بعد إقدامها على حالة إنتحار بإبتلاع كمية كبيرة من حبوب البنادول والأدوية ويتم إحالتها إلى مستشفى آخر بعد إن عجز المستشفى عن إسعافها، أدعو الله أن تعود سالمة لأسرتها.
كل ذلك ينذر بحالة خطر، ويحتاج من كافة أطراف المجتمع، التحرك بصفة سريعة وجدية لوقف هذا التصاعد وإصلاح ما يمكن إصلاحه حيث تقدر الإحصائيات الميدانية الواردة في دراسة ميدانية أعدها مركز رؤية للدراسات الإجتماعية تحت عنوان « العنف الأسري بين المواجهة والتستر » أكدت أن 66. /0 من العينة التي أجريت عليها الدراسة، أنهن تعرضن للضرب بالعصي والشد من الشعر والعض والقرص والخنق، فيما أشار 33. /0 منهن إلى أنهن تعرضن للكي بأدوات المائدة كالملعقة، وأن 26. /0 من الفتيات يتعرضن بصفة مستمرة للتهديد بإخراجهن من المدارس للعمل كخادمات في محيط الأسرة لتوفير راتب الخادمة، فيما ذكرت 13. /0 يتعرضن إلى عنف لفظي من الأب.
من جهة ثانية كشفت الدراسة إلى أن 57. /0 من الأزواج ينتمون إلى الفئة العمرية 20 – 29 سنة قد تعرضوا للضرب من إخوة زوجاتهم الذين هم في مثل أعمارهم أو أصغر منهم بقليل، فيما تعرض 33. /0 من الأزواج وينتمي هؤلاء الأزواج إلى الفئة العمرية 40 – 49 سنة للعنف الجسدي من أبناء زوجاتهم وذلك بالإشتراك مع الزوجات، كما كشفت الدراسة أيضا إلى أن 10. /0 ممن أجريت معهم مقابلات للفئة العمرية 50 – 59 سنة تعرضوا للعنف اللفظي والاقتصادي من آبائهم أو أبنائهم حيث يسعى الأبناء إلى وضع أيديهم على ممتلكات الأب وإقناعه ببيت المسنين او ايداعه في دار العجزة ويوجهون الإهانات له لرفضه تحقيق ما يسعون إليه.
وفي عام «2011» كشف المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني عن رصد أكثر من «500» حالة عنف ضد الأطفال بزيادة كبيرة عن الحالة المسجلة في العام الذي سبقه «2010» حيث تم رصد «292» حالة. وأشارت إلى القطاع الصحي وحده فقط عن طريق 39 مركزا للخدمات الصحية بأن ” 57. /0 من الضحايا كانت أعمارهم تترواح بين 6 – 12سنة، تليها 48. /0 لعمر أقل من سنتين، و38. /0 للأطفال من 2 – 5 سنوات، و10. /0 للأعمار من 13 – 18 سنة
إن مثل هذه الجرائم يجب أن تستوقف وتستدعي إهتمام مؤسسات المجتمع المدني والناشطين الاجتماعيين وأعضاء مجلس الشورى ووسائل الاعلام، الجميع مسؤول عن إثارة الوعي الإجتماعي تجاه قضايا العنف الأسري والعمل على الحد منها وتشكيل رأي عام حولها والتعاون على نشر الثقافة المدنية المدافعة عن سيادة القانون لإقرار وسن قوانين تجريمية ضد العنف الأسري وحماية الآلاف من الأطفال والنساء داخل منازلهم وأسرهم التي من المفروض تكون المكان الأكثر أمانا وسكينة.
إن الجراح التي تركت أثرها على جسد هؤلاء الأبرياء الضعفاء من كدمات وحروق وكي وآثار التعذيب إرتكبها رجل كان من المفروض أن يكون زوجا وأخا وأبا رحيما يعي معنى الأبوة والحنان الأبوي تجاه أطفاله، ستكون شاهدة على الجرم أمام العزيز الجبار فأي جريمة يمكن أن يرتكبها هؤلاء الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم السبعة أعوام ليعاقبوا بهذا الشكل؟ وأي شخص يستحق أن يطلق عليه كلمة أب يعامل زوجته وفلذة كبده بهذه الطريقة؟ وأي مفهوم يحمله هذا الأب حول تربية الأبناء؟ وأي طفولة عاشها هذا الأب ليمارس هكذا نوع من العنف ضد أقرب الناس إليه؟
قد تكون قضيتا لمى وراكان ساعدت الظروف المحيطة، بإبرازهما على السطح مما جعلهما قضيتا رأي عام لبشاعة العنف الذي تعرضا له، ولكن نحن على يقين هناك حالات عنف كثيرة ضد الأطفال والنساء داخل الأسرة الواحدة قد تماثل بشاعة ما تعرض له هؤلاء أو أكثر، فبعضها يصل إلى القتل أو الحرق ولكن الظروف المجتمعية والعائلية تحيل دون ظهور هكذا نوع من العنف.
راكان يرقد الآن في المستشفى وهو يعاني من الإصابات الجسدية والنفسية التي تعرض لها نتيجة للضرب المبرح والحرق وهو يطلق صرخة لكل المسئولين وصناع القرار في الدولة من أجل إقرار قانون العنف الأسري، ليكون رادعا لهؤلاء المجرمين وحماية له ولأطفال ونساء، وكي لا يفلت الجاني من عقوبته مهما كانت صلة القرابة الأسرية التي تربطه بالضحية، حيث أن المعاقبة على هكذا نوع من العنف في القوانين السعودية عادة ما يتم الحكم فيها بإطلاق سراح الجاني أو الحكم عليه بعقوبات مخففة.
إننا نضم صوتنا لصوت هؤلاء الضحايا ونطالب بالإسراع بإقرار هذا القانون ليكون مرجعا واضحا للتعامل مع حالات العنف الأسري، ورادعا قويا يجرم كل من تسول له نفسه باالإعتداء، وضرورة إنشاء مراكز الإيواء الخاصة بالمعنفين في مختلف المناطق والمحافظات ودعمها من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، وإفساح المجال ورفع الحظر بسرعة إصدار التراخيص للجمعيات الحقوقية والمؤسسات الأهلية، وإصدار نظام حماية الطفل من الإيذاء المبيت في أدراج مجلس الشورى حماية لأرواح المعنفين من الأطفال والنساء، والعمل على إعادة تأهيلهم وادماجهم في المجتمع من جديد.
إن التقاعس عن تفعيل اقرار قانون يجرم كل أشكال العنف الاسري، يؤشر إلى مخاطر جسيمة مقبلة نحو مجتمعنا ومهددة لأمننا الاجتماعي واستقراره، ولعل الراهن الاجتماعي السعودي بحاجة للنهوض بمشروع لإنشاء مجلس أعلى خاص بالمرأة السعودية وشؤون الأسرة ليكون صوت الغالبية الصامتة من النساء السعوديات اللاتي يشكلن أكثر من نصف المجتمع وممثلا لهن في الإعلان عن رفضهن لكل ما يسئ لهن في حياتهم الطبيعية والأسرية وفضح كل الظواهر المنافية للحقوق والقيم المقررة في شريعتنا الاسلامية السمحاء، ماذا نعمل بوصية النبي الأكرم «صلى الله وآله وسلم» بخصوص الأطفال والشباب والمرأة أو النساء، ألسنا أولى من غيرنا بتطبيق هذه الوصية العظيمة الحضارية وتمكين هذه الأضلع الاجتماعية من نيل كرامتها الانسانية وحقوقها المشروعة في العيش الكريم والانسانية الكريمة.
و أخيرا نتوجه لخادم الحرمين الشريفين وكل المسؤولين في هرم الدولة والوزراء المعينين في الحكومة بهذه الظاهرة التي تهدد أمننا العام ومستقبلنا الأهلي والتنمية في كل أبعادها وآفاقها، إننا نتطلع إلى وطن الغد المشرق الذي ينعم بالحب والأمن والاستقرار والسلام الذي اذا ما توفر في البيئة الأسرية ستشرق أنواره على ربوع الوطن أجمع…