المواطنة في وطني.. بين دواعي التفعيل ومآزق الطائفية
18 أكتوبر 2013 - أ . عالية فريدبلا أدنى شك بأن المشاكل الحقيقية التي تهدد العديد من الدول والمجتمعات الإسلامية بالتفكك تتحدد في غياب أهم مرتكز في بناء الدولة ووحدة المجتمع، ألا وهو: «مبدأ المواطنة» مما أنتج تأثيرا سلبيا على الوحدة الوطنية التي يتطلع إليها الناس.
وما تعيشه المجتمعات اليوم من أزمات وما تعصف بها من مشاكل وإنقسامات وصراعات على السلطة ونزاعات طائفية ومذهبية وغيرها سواء كانت قديمة أو حديثة، مهما تعددت مسمياتها وأسبابها فإن جذورها ترجع لضبابية هذا المبدأ أحيانا وتغييبه وإهماله أو تمويهه أخرى، بينما هناك من يعتبره مخاضا طبيعيا تمر به الأمة، فما جرى ويجري في الدول العربية والإسلامية شبيها بما كانت عليه الحال في وقت سابق من حروب دينية «الكنيسة» عنصرية طال أمدها، فلم يكن بوسع أحد حفظ وجوده في غير القبول بوجود الآخر في إطار حل عقلاني شامل هو «دولة المواطنة».
عنوان دولة المواطنة، كما عرفه علماء الإجتماع في المجتمع الحديث بأنها:
«علاقة إجتماعية تقوم بين الأفراد والمجتمع السياسي «الدولة»، حيث تقدم الدولة الحماية الإقتصادية والسياسية والإجتماعية للأفراد عن طريق القانون والدستور الذي يساوي بين الأفراد ككيانات بشرية طبيعية، وبالمقابل يقدم الأفراد الولاء للدولة ويلجؤون إلى قانونها للحصول على حقوقهم».
وعبر الفكر الإسلامي عن فكرة العقد الإجتماعي بمصطلح البيعة أي العهد على الطاعة التي تحترم الفرد كقيمة إنسانية في الكرامة والحرية واحترام الجماعة ككيان وجودي طبيعي، فالإسلام جاء ليؤكد على أهم أسس المواطنة وحقوق الانسان بحرصه على المساواة كما في قوله تعالى « وخلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم »، نابذا كل أشكال التمييز القائم على أساس الجنس أو اللون أو العرق، مبينا الحقوق في مقابل الواجبات، ومؤكدا على المشاركة السياسية باسم الشورى والأمر بالمعروف.
وعندما نراجع التراث التاريخي فإننا نجد صحيفة المدينة التي تعتبر أول دستور للاجتماع السياسي ” دستور دولة مدنية لبناء مجتمع سياسي مثالي للتعايش بين مختلف الجماعات مهما إختلفت هوياتهم وانتماءاتهم الدينية والقبلية تجمعهم أهداف ومصالح مشتركة.
وتكمن أهمية قيمة المواطنة لإعتمادها على مبدأين أساسيين وهما كالتالي:
1 – مبدأ الحقوق والواجبات الفردية
2 – المضمون التعاقدي للدولة القائم بين الأفراد ككيانات طبيعية متساوية يكون الشعب فيها مصدر السلطات، « نظرية العقد الإجتماعي » كما يعرفها الكثير والذي كانت مثار المنظرين السياسيين والفلاسفة منذ بداية القرن السادس عشر إلى نهاية القرن الثامن عشر، وفيها مذاهب وآراء تطورت مع بداية عصر النهضة الأوربية وحركة التنوير مقترنة بولادة الدولة الحديثة وما تقوم عليه من سيادة حكم القانون والمساواة ودولة المؤسسات.
ولو ألقينا نظرة فاحصة على مجتمعنا، حول المواطنة كمفهوم متكامل للمجتمع كنظام وثقافة «أي بمعنى آخر ما نفتقده ومالم يطبق في مجتمعنا» فإننا نراها ضعيفة جدا إن لم تكن معدمة، فضعف المواطنة وتغليب الدين والعرق والمذهب والطائفة والقبيلة عليها، وغياب الدولة المؤسساتية المدنية ودور المجتمع في صناعة القرار، والتضييق على الحريات وتقييد حرية الاعلام والصحافة وتسييسها وعدم احترام الانسان، أضف إلى ذلك ظاهرة الفساد المالي والإداري للمتنفذين وغياب مبدأ العدالة الاجتماعية، وعدم استقلالية القضاء وضعف التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإنحساردور منظمات المجتمع المدني وفرض القيود عليها وتفشي ظاهرة الفقر والبطالة وتعاطي المخدرات وانتشار الجريمة وغياب او ضعف القانون لمكافحتها والحد منها في المجتمع وتغليب المصالح الشخصية والعرقية والطائفية على المصلحة العليا للوطن، لذا فإن هذه الأمور وغيرها تمثل الدلائل العامة والأساسية على غياب قيمة المواطنة في واقعنا الاجتماعي العام. ومما لا شك فيه بأن أساس المشاكل السياسية والاجتماعية في مجتمعنا وكل ما نعيشه من فوضى ورجعية عن مضمار الأمم المتقدمة هو غياب المواطنة كمفهوم وثقافة ونظام.
في ظل هذا الواقع المأساوي الذي تشهده فضاءاتنا الاجتماعية والإعلامية من المفروض أن تكون بلادنا أنموذجا حيا للنباهة الاسلامية والسلم الأهلي على ضوء الشريعة السمحاء وهو مهد الإسلام الحضاري الذي جاء للإنسانية جمعاء، يتوجب على كبيرنا وصغيرنا وحاكمنا ومحكومنا محاربة العنصرية والمناطقية والطائفية بكل مفرداتها في الأماكن العامة والبقاع المقدسة وعلى المنابر الدينية والسياسية ووسائل الإعلام ومجابهة الأصوات الشاذة المثيرة للفتن والإحترابات الطائفية، عبر تجاوز ثقافة« إذا كنت لست معي إذن أنت ضدي» والإجماع على أن الإنتماء للوطن، حيث هذا الإنتماء لابد له من سيادة القانون في العدالة الإجتماعية والمساواة في ظل تكافؤ الفرص التي تثبت ان التنمية والخدمات لجميع المواطنين.. والكل مشاركا فيه.
على ضوء ما تقدم لابد لنا من إستراتيجية للنهوض بقيمة المواطنة في ربوع وطننا الغالي عبر مايلي:
سن قانون حماية يحترم الثوابت ويجرم الإساءة والتعدي على المقدسات والرموز والشتم والانتقاص من وطنية الآخرين أو التحريض على الكراهية ومحاسبة المتسببين في إثارة الفتن والنعرات الطائفية مهما كان موقعهم ومنصبهم السياسي، وعلى القانون أن يعاقب مرتكبيها بأقصى العقوبات.
علينا أن نستوعب ونؤمن بأن التنوع والتعددية ثراء، يحتم على جميع أبناء الوطن التواصل والانفتاح والتعاون وتبادل الخبرات والتجارب
بناء جيل واعي يتربي على وطنية حقيقية بدءا من مؤسسة الأسرة، ومؤسسات التعليم التربوية في تصحيح كتبها ومناهجها إنتهاءا بمؤسسات الدولة.
وفي الختام.: خيارنا المنقذ الوحيد يكمن في نبذنا للطائفية والعنصرية والالتفاف بقوة حول الوحدة الوطنية والرموز الذين نجدهم اهل للمسوؤلية ولحمل همومنا بصدق وأمانة ويناضلون من اجل رفع الظلم والحيف الواقع على المجتمع، حيث يبقى منطق الواقع الإنساني المعاصر لسان حاله لأهل الحكم والملك كما عبر أحد المثقفين الواعين قائلا: أعطونا كل ما يشعرنا بالانتماء لوطننا، وللأشياء التي حولنا.. ونعطيكم الولاء…