أزمات الربيع العربي.. شعوب تبحث عن كرامتها
16 يناير 2014 - أ . عالية فريد«أنت تقتلني عندما تسلبني وسيلة العيش» وليام شكسبير ـــ أديب إنجليزي
الفساد، آفة البطالة، نهب الثروات، انتهاك حقوق الانسان، هدر كرامة الانسان وحياته،، هذه عناوين تتصدر قائمة الفوضى القاتلة التي تعم أرجاء هذا العالم العربي المريض، فلا يزال راهن أمتنا يزخر بأشكال الفساد والظلم والفوضى والتخلف، حيث الأحداث المؤلمة التي عصفت بمجتمعاتنا والواقع المزري وما ألم بها من كوارث وحوادث وفتن وتشظيات سياسية وانقسامات وانشطارات اجتماعية وتمزقات اقتصادية وتوغل في حوادث التفجير والاغتيال والإرهاب مرورا بالعنف السياسي والصراع المذهبي والطائفي واغتيال كرامة الأمة، وفقدان الأمن والاستقرار وتدهور الأوضاع الاقتصادية والسطو على الثروات وهتك الحرمات والاعتداء على المقدسات وانتهاك الحريات إبان أحداث ثورات الربيع العربي التي انطلقت في بعض البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، واستمرت حتى نهاية عام 2013 وما تبعها من حركات احتجاجية في جميع أنحاء الوطن العربي حتى هذه اللحظة مستمرة، والتي كان من أبرز أسبابها الأساسية انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية.
ولا يخفى على أحد ما خلفه الربيع العربي من آثارا سلبية خلفت أوضاعاً سياسية واجتماعية وأمنية هشة وضعيفة في الدول التي حصل فيها هذا الربيع خاصة في ليبيا ومصر وسوريا واليمن.
هل مع بداية عام جديد يكفي القول انتهى عام 2013؟ وهل تحسنت الأوضاع في ما آل إليه الربيع العربي فهل نقول وداعا للقهر والخوف، وداعا للقلق والإحباط، وداعا للتشاؤم وداعا للأحزان والمظالم..
في عراق التاريخ والحضارة كشفت حالة الاستياء من الغزو الأمريكي وما جلبه من فتنة وشقاق واقتتال داخلي بين أبناء الشعب العراقي مستغلا في ذلك اللعب على الوتر الطائفي والعرقي تارة بين الشيعة والسنة وتارة بين المسيحيين والأكراد، حتى تحول العراق إلى ساحة للحرب الأهلية بلا شك الكل خسر فيها بامتياز، ناهيك عن احتراب دول الإقليم التي تعمل على تصفية حساباتها في الداخل العراقي، لا نكاد نصحوا يوميا إلا وصدى التفجيرات القذرة الذي يملأ المدن والمحافظات، بدءا بالمساجد ودور العبادة ومرورا بمشاهد القتل الجماعي وبكاء الأطفال ونحيب النساء وارتفاع عدد الأرامل والأيتام وتناثر الدماء والأشلاء على الأرصفة والطرقات…
في المقابل مصر أم الدنيا أرض الكنانة، وصلتها عدوى التكفير والتفجير والإرهاب، قبل أيام حيث التقيت ببعض الشباب في ربوع القاهرة الكثير منهم كان مستاء مما آلت إليه الأوضاع هناك، في الصراع بين الأحزاب وسلطات الحكم والاحتراب مع جماعة الإخوان والحركات الجهادية السلفية الأخرى متأسفين على رحيل نظام حسني مبارك – بعضهم قال معلقاً – «منذ بداية ثورة 25 يناير تغير حالنا إلى الأسوأ كنا نعتقد أن الديمقراطية سهلة وسنختصر الطريق لتصحيح أوضاعنا لكننا اكتشفنا أن مشوارها طويل،،»، والبعض يرى أن حياه الدكتاتورية والذل والتبعية والاضطهاد والمهانة فيها أكل عيش، أما الوضع الحالي مع توتر الأحداث وتوقف السياحة وتعطل مصادر الكسب اليومي قال بعضهم: «ده الحال واقف والشغل متعطل والفقر والبطالة تسري في كل بيت، فالحرية ما بتنفعش مع الشعوب العربية..»، وعبر آخرين عن إحباطهم من بعض تيارات الإسلام السياسي وفشلها في إدارة بلدانها بعد أحداث الربيع العربي وأعلنوا استيائهم من سرقة ثورات الشعوب معلقين آمالهم على يوم الاستفتاء عن الدستور المصري الجديد.
أما في سوريا، نشهد صراعا إقليميا وحربا طائفية مستعرة لا تزال شلالات الدماء تنزف والاستنزاف والدمار مع أنين النازحين واللاجئين، وانعدام الأمن والاستقرار في تونس وفي لبنان، وفي اليمن والبحرين، برغم القمع واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين لازال حراكها يتجدد…
موجات إرهابية غادرة وحماقات جاهلية، وممارسات عنفية تفوح منها رياح الحقد والكراهية والانتقام تحركها عقول غبية كلها في آن واحد ياترى لمصلحة من يحدث كل ذلك ومن المستفيد؟ ومن المسؤول عن تكريس الانهزامية والتبعية والتخلف والجهل ولمصلحة من تسلب إرادة الشباب العربي القوى الحية التي تنبض بها مجتمعاتنا، في خضم هذه المخاضات التي نعاصرها، ماذا تعني؟ وهل هذه بداية التشكيل الأول للشرق الأوسط الجديد؟؟؟؟
أسئلة محورية في مقاربة وضع أمتنا ومآلات كل ما جرى ويجري، فتلاحق السيناريوهات وتعقد حياة الناس تفرض علينا التفكير بجدية في نظم أمورنا لاستدراك ما تبقى من كرامتنا كشعوب….
إن الواقع الحالي يستدعي العمل بكل قوة وحكمة لتفعيل استقرار الوضع الاقتصادي أولا عبر إيجاد حلول ناجعة للإشكاليات والمشكلات السياسية الطافحة والتي تتوسل بأسئلة التاريخ والهوية والدين، ففي ظل الفتنة لا يمكن التركيز في تطوير مشاريع الإصلاح والتغيير والتنمية، ومن الضروريات الرئيسية لشعوب دول الربيع العربي، تأتي قضية حل مشكلة البطالة التي تعتبر فتيل خامد قابل للاشتعال في أي وقت، ناهيك إذا رافقه طغيان وظلم وسرقة لمقدرات الشعوب واستحواذ على الثروات بدون وجه حق، فالبطالة كانت في أسوأ حالاتها ما قبل ثورات الربيع وازدادت سوءا بعدها، بمسميات عدة تارة باسم التسلح ومكافحة الإرهاب وتارة لمواجهة الصراع الدولي والإقليمي.
إن مجتمعاتنا بحاجة إلى فرقة طوارئ وجبهات إنقاذ تعيد صياغة اقتصاديات الدول العربية وتبني استراتيجيات جديدة تعالج مشكلة البطالة وتسعى لتحقيق التنمية المستدامة.
في مصر ”حسب البيانات الرسمية والدولية”، ارتفع معدل البطالة في نهاية الربع الأول من العام الجاري، إلى 13، 2 في المائة، وفي تونس إلى 16، 5 في المائة، وفي ليبيا إلى 15 في المائة، وقفز في اليمن إلى 40 في المائة. ومقارنة بحالة التشكيل الاقتصادي في هذه البلدان، أشار أحد الباحثين إلى أن النسب المشار إليها ”باستثناء اليمن المُنتج الأكبر للبطالة” ليست عالية. وفي أغلبية دول العالم العربي، هناك مصيبة تشغيلية لم تصب أياً من البلدان غير العربية الأخرى. فهي الوحيدة التي يرتفع فيها عدد العاطلين عن العمل من المتعلمين، بينما ترتفع معدلات التشغيل عند الأميين! فلا غرابة إذن، من ارتفاع عدد العاطلين الخريجين، خصوصاً ”مرة أخرى” في مرحلة التشكيل الاقتصادي. في هذه الدول ”كن أمياً تجد عملاً أسرع”، و”إن كنت متعلماً دع رقمك وعنوانك ونحن نتصل بك ويا ليل ما أطولك ”!
إن العالم العربي كله، يحتاج إلى 100 مليون وظيفة بحلول عام 2025، حسب تقديرات البنك الدولي. مع الإشارة إلى أن النسبة الكلية للبطالة تراوح بين 25 و30 في المائة، بينما لا تتعدى عالمياً 6 في المائة. ومنظمة العمل العربية تقدر عدد العاطلين في كل الدول العربية بـ 25 مليون نسمة، من إجمالي قوى عاملة تبلغ 120 مليون نسمة.
هناك بطالة حقيقية لايمكن تجاهلها أحدثتها الثورات العربية، هذا لا شك فيه، وهناك اضطرابات تتفاعل فيها، وهناك ”ألاعيب” سياسية تستهدفها،. والاستقرار ليس مطلوباً لهذه الدول، بل لدول المنطقة كلها دون استثناء، والمائة مليون وظيفة التي تحدث عنها البنك الدولي، ليست خاصة بخمس دول تشهد استحقاقات الثورات والتغيير، بل تشمل الكل.
من الطبيعي وجود الفساد في أي دولة أنه ينعكس مباشرة على حقوق الانسان، حيث يجب مكافحته ومحاربة الرشوة وهدر المال العام لما لهم من تأثير على حقوق الناس،، لا سيما في الدول البيروقراطية، حيث تتجاهل الدول الشمولية وغير الديمقراطية كرامة الانسان وحقوقه السياسية وتتبجح بالقول أنها تسعى لتحقيق الاستقرار دون المحافظة على كرامة الانسان وعلى حقوقه، فوفقا للتقارير البشرية على مدى عشر سنوات أوضحت ضعف مقومات الدولة الحديثة وتدني مستوى الحريات في دول الربيع العربي وأشارت إلى أنها صفر في الحريات والشفافية والديمقراطية وتمكين المرأة وكانت بحاجة إلى شرارة فقط تكفي لاشتعال نيران الفتنة والدمار…
هذا ما تريده الأنظمة الدكتاتورية تجويع الناس ونهب أموالهم وثرواتهم والاستئثار بها ليتمكن لهم السيطرة على رقاب الناس.
أما اليوم فلا وقت للعودة والرجوع إلى أزمنة ماقبل الربيع العربي، لقد آن الأوان لتجاوز الآثار السلبية للأزمات العربية والعمل على تكريس قيم المواطنة بما تتضمنه من مساواة أمام القانون ومشاركة في الشأن العام وحريات مدنية، فالمواطنة هي العنصر الرئيسي لإرساء أسس النظام الديمقراطي وهي أساس عملية الاندماج الوطني في الدولة الحديثة، حيث يكون فيها الانتماء للوطن والدولة والقانون المدني الذي يتقدم على أي انتماء آخر إقليمي أو قبلي أو ديني أو طائفي أو عرقي وغيره، بلا شك فبحل مسألة المواطنة تندرج بقية الحلول لمختلف القضايا والمشكلات التي تعاني منها كثير من المجتمعات، فهي البديل الحاسم والعقلاني للصراع وتنافس الهويات والانتماءات المختلفة التي تصنع العقبات أمام وحدة الأوطان واستقرار المجتمعات.
دون أن نغفل عن أهمية المشاركة السياسية وإدارة الشأن العام، فالإسلام يؤكد على مبدأ المشاركة كحق من حقوق المواطنة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر…
فلا انهزامية ولا دونية ولا تخلف ولا رجعية بل نحو ربيع عالمي جديد ملؤه السلم والمحبة..
كما أن الإرهاب – كظاهرة لعينة ومتسرطنة وخبيثة – يتوجب على العقلاء في الأمة الذين يرنون للحرية والرقي والتنمية أن يتحدوا للخلاص من هذه الظاهرة الخطيرة ومحاربة جرائمها وموجاتها المروعة التي لم تأت على الأمة إلا بويلات وبؤس وشقاء فتت فيها عزيمة المجتمعات وأوهنت الشعوب، وهددت الأمن والسلم والسلام، وأهمية العمل على إيقاف حلقاته “الاجتماعية، فلا اعتقالات ولا اتهامات ولا ملاحقات ولا مضايقات ولا سجون أو تعذيب واعتداءات.
هكذا تتم مخاصمة العنف والبغض والكراهية التي تثير نزعة الإقصاء ونفي الآخر، والإيمان بالتنوع والتعددية واحترام كافة الانتماءات وحق المشاركة للجميع، هي معادلة التغيير السليم والخلاق للسلم والأمن والتنمية، وعبر المصالحة والحوار، والارتكاز إلى أيدلوجيتنا وثقافتنا الفطرية القائمة على التسامح والحب والرحمة والتعايش.
و في الوقت الذي تتباهى إسرائيل الديمقراطية بانجازاتها في مختلف المجالات بمستوى تعليمي وصحي وعلمي عالمي لا يضاهيها فيه أي من الدول العربية رغم امتلاكها الثروات والإمكانات، علينا إن نعيد النظر في قراءة واقعنا وإلى أين نحن ذاهبون؟ كما ننقد ذاتنا لا لجلدها بل لننهض بها وكفى بنا صراعات وخصومات، التحدي اليوم هو في لملمة ذواتنا وإعادة ترتيب أولوياتنا للخروج من دائرة الصراع السياسي والتناحر فيما بيننا، والعمل على نزع فتيل الصراعات الداخلية التي تستنزف مواردنا وطاقاتنا وتهيئ لعدونا أ منا بتنا نفتقده ونتطلع إلى تحقيقه في عام جديد….
الأمة على موعد مع جيل جديد، شباب في مقتبل العمر يمتلك الصحوة والوعي السياسي بأهمية وجود نظام سياسي يؤمن بالطرف الآخر ويحترمه ولا يقصيه وهذا الوعي يعزز لثقافة مدنية في دولة القانون على أساس وطني، مع التشجيع نحو نمو حركة فكرية أو سياسية تتبنى الفكر المدني المعاصر والتوصل إلى برنامج عمل وطني حقيقي…
وأخيرا: مع بداية عامنا الجديد نحترم تجربة تونس ونترحم على شهدائها، الذين ذكروا شعوبنا بحق ضائع منذ فترة حق الكرامة الغائبة، والعزة المدفونة تحت أنقاض الفساد والفوضى، في تونس كانت الشرارة الأولى الذي أشتعل لهيبها فألهب حريق شعوبنا المقهورة التي لم ولن تنسى ذلك أبدا.