القراءة كحاجة للتنفس
23 مارس 2016 - جريدة الشرق الأوسطميرزا الخويلدي
لا شك أن ازدحام الناس٬ رجالاً ونساًء٬ للدخول لمعرض الرياض الدولي للكتاب ظاهرة صحية. العادة أن أهل الثقافة يشتكون قلة الرواد٬ ويتندرون على اكتظاظ المولات وأماكن الترفيه بينما لا يجدون زبائن لبضاعتهم.
ولا شك كذلك أن منظر الآلاف من النساء والرجال وهم يدفعون أمامهم أو يجّرون خلفهم أرتال الكتب في عربات التسوق في هذا المعرض هو الآخر عنوان حيوية هذا المجتمع وحبه للاطلاع٬ بل والانفتاح أيًضا.. فالكتاب هو سفير لثقافات متعددة٬ ونافذة لمفاهيم مختلفة.
يمكن أن نضيف أن الإقبال على الكتب هو تعبير عن الرغبة في الانفكاك من أسر كل ثقافة أحادية أو مهيمنة. لا يمكن العبور نحو المعرفة التي هي أساس التنمية الإنسانية ما دمنا في خصومة مع الثقافة وحاضنتها: الكتاب. ولا يمكننا أن نتطور إذا كانت علاقة الواحد منا بالكتاب محصورة بكتب منهجية٬ أو قراءات ذات نسق واحد.. المسألة ليست فقط أننا لا نقرأ٬ ولكن حتى ما نقرأه على قلّته أصبح مقيًدا للفكر٬ يحُّد من قدرتنا على رؤية الأمور بشكل مختلف٬ أو التعرف على الوجوه الأخرى للحقيقة٬ أو الألوان المتعددة٬ أو استثارة السؤال داخلنا.. وبالتالي يمنع الشمس أن تشرق في عقولنا.
نحن جزء من هذا العالم العربي الذي استهان بوعيه وثقافته ومعرفته٬ فصار إلى ما وصل إليه. لم تتغير الحال إلى الأحسن منذ أصدرت مؤسسة الفكر العربي «تقرير التنمية الثقافية» عام ٬2007 وأعطت أرقاًما صادمة لمعدلات القراءة: فالعربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوًيا بينما يقرأ الأوروبي بمعّدل 200 ساعة سنوًيا.
وفي حين يقرأ الأميركي 11 كتاًبا في السنة٬ والبريطاني 7 كتب في العام٬ فإن كل عشرين عربي يقرأون كتاًبا واحًدا في السنة! ولذلك فالإقبال على معرض الكتاب مهم٬ مهما بدا من قيود٬ ومهما كان أقل من الطموح٬ لأنه يتيح الفرص لآلاف الشباب والشابات أن يختاروا٬ لا أن يختار لهم أحد الوجبة الثقافية التي تناسبهم. لذلك شاهدنا في الأعوام السابقة أن اتجاهات القراءة أصبحت متعددة ومتنوعة وواعدة. ومهم أيًضا لأنه يخلق تفاعلا بين المثقفين وجمهورهم٬ وبين المؤلفين والناشرين والقراء.
اختارت وزارة الثقافة شعاًرا لمعرض هذا العام هو «الكتاب ذاكرة لا تشيخ»٬ أما الكاتب الأرجنتيني الأصل الكندي الجنسية ألبرتو مانغويل٬ فتحدث في مقالته الرائعة «بهجة القراءة» التي ألقاها في الظهران شرق السعودية (ديسمبر «كانون الأول» 2013) عن مهام القارئ٬ُمعّدًدا ست مهام هي: إنقاذ ذاكرة الأدب من الانقراض٬ ثم الشعور الحقيقي بهذه الذاكرة٬ أما المهمة الثالثة فهي عدم السماح بأن يمضي الأدب بكل نصوصه نحو العبثية٬ والمهمة الرابعة العمل على إضفاء قيمة أعلى النص٬ أي أن يتحول القارئ إلى ما يسميه مانغويل «جمهور الساحر»٬ والمهمة الخامسة للقارئ هي الفهم٬ أي «أن تأخذ النص لأعلى مستوى فهم لتجربتك الشخصية٬ ومحاولة رفع النص لمستوى مهاراتك العامة في الحياة»٬ والمهمة السادسة «وهي الأهم٬ أنها المتعة.. النعيم الذي نجده حين ننسى أنفسنا في وسط صفحة٬ ونواصل القراءة بلا إحساس بالوقت».
يقول مانغويل: «حين ندعو القراءة بمجرد متعة فهو بلا شك وصف بخس في حقها٬ إذ إنها بالنسبة لي مصدر كل الُمَتع٬ فهي التيُتلون كل التجارب٬ وتجعل الحياةُتطاق والأشياء مقنعة».