تقرير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان خطوة نحو المهنية
28 مارس 2009 - جريدة الوطنما لفت نظري بعد قراءتي للتقرير الثاني للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان, هو اللغة (الاحترافية) التي استخدمت في صياغة التقرير, حيث اعتمد التقرير في تناوله للقضايا التي كانت محل التقرير على لغة قانونية وحقوقية رفيعة, ستساهم – في تقديري – في رفع الوعي الحقوقي لدى المجتمع بحيث لا يتم الاعتماد على مجرد الطرح العاطفي وإنما لا بد أن نؤسس لثقافة حقوقية راسخة يكون النص القانوني هو المرجعية فيها, حتى تكون تلك الثقافة مؤصلة لا مجرد عواطف عابرة تتباين بين قضية وأخرى.
لقد استطاعت الجمعية ومن خلال هذا التقرير أن تتحرر من ثنائية (الملائكة) و( الشياطين), فنحن في النهاية مجتمع بشري ينطبق عليه ما ينطبق على بقية المجتمعات, حيث (الخطأ) و(الصواب), إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في قدرتنا على تعزيز مكامن الصواب ومحاصرة بؤر الخطأ , وقدرتنا على تصحيح الانحراف أينما وجد , بآلياتنا الوطنية , ومن خلال بنيتنا التشريعية ومؤسساتنا الوطنية , ويبقى الهدف دائماً خلق بيئة حقوقية تؤمن للإنسان حياة كريمة تدفعه لأن يتفاعل مع هذا الوطن وآماله التنموية .
إن التقرير يعد محطة مهمة في طريقنا نحو الانفتاح على الثقافة الحقوقية والانعتاق من شرنقة الخصوصية التي أعاقت حراكنا وعطلت الكثير من الجهود نحو تجذير القيم الحقوقية التي أصبحت في عالمنا اليوم قيماً مشتركة لا تعترف بالحدود أياً كانت , لذا فإن الوقت أصبح مناسباً لتخفيف العبء عن الجمعية وذلك بإنشاء جمعيات مساندة لها ومتخصصة بأحد الجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان كحقوق الطفل وحقوق المرأة وجمعيات خيرية للدفاع عن غير القادرين على دفع أتعاب وغيرها من الجوانب ذات الصلة بملف حقوق الإنسان .
من الجوانب المهمة التي تناولها التقرير القراءة في التشريعات المحلية التي تتعلق بحقوق الإنسان حيث رصدت جملة من التعارض في بعض تلك التشريعات مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها السعودية أو مع بعض المبادئ الحقوقية واقترحت جملة من التشريعات أو التعديلات على الأنظمة السارية ، وتكمن أهمية هذه الخطوة أن النص القانوني هو السياج الطبيعي لحقوق الناس ولابد أن يكون متوازياً مع الحراك الاجتماعي ومتناغماً في الوقت ذاته مع (النَفَس) التشريعي الدولي فيما يتعلق بالقضايا التي باتت هاجساً دولياً مشتركاً ويأتي في مقدمتها قضايا حقوق الإنسان .
وحيث إن نظام الإجراءات الجزائية يعد العمود الفقري للتشريعات المعنية بحقوق الإنسان فإني أجدها مناسبة لإضافة بعض الملاحظات على هذا النظام إضافة إلى ما ذكر في تقرير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان , خصوصاً أنه يخضع في هذه الفترة لمراجعة من قبل المؤسسة التشريعية لكي يتلاءم مع التغيرات القضائية الجديدة وأولى تلك الملاحظات أن ينص النظام وبشكل صريح على بطلان أي إجراء يكون مخالفاً للنصوص الواردة فيه لاسيما إذا ما تعلق بالضمانات الجوهرية للمحاكمة العادلة وحقوق الدفاع حتى لو أدى الإجراء الباطل إلى تحقيق المقصد منه بحيث ينص على “أنه لا يعتد بالدليل إذا كان وليد إجراءات صدرت مخالفة للنصوص الواردة بالنظام ” ، وعلى أن ينص أيضا على أن تقضي المحكمة بالبطلان و لومن تلقاء نفسها و في أي مرحلة تكون عليها الدعوى ،لأن القول بغير ذلك سيفرغ النظام من محتواه ويخالف مقصد المشرع الذي يستهدف حماية حقوق الأفراد والموازنة بين حرية الفرد وحقوق المجتمع وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات الإجرائية التي تحدد الآلية القانونية للتعامل مع المتهم وصلاحيات رجال الضبط الجنائي التي لا يجوز لهم تجاوزها أو القفز عليها, والملاحظة الأخرى التي أعتقد أنه من المهم إضافتها في التعديلات الجديدة على نظام الإجراءات الجزائية النص على “أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ” وهو نص أساسي في كل التشريعات المشابهة في العالم حيث نجده يتصدر أي نظام يتعلق بالإجراءات الجنائية بل إن بعض الدول تدرجه في دساتيرها لأهميته ولأنه يشكل القاعدة الأساسية في معايير المحاكمة العادلة , لذا فإنه من المهم أن يتفادى ذلك النقص في التعديلات الجديدة لهذا النظام .
أخيراً فإنه إن كان ثمة ملاحظة على تقرير الجمعية الثاني فهو ما سبق أن ذكرناه في هذه الصحيفة عند إصدار الجمعية تقريرها الأول العام المنصرم حيث لم يتناول بعض الممارسات التي صدرت من بعض الجماعات الدينية إزاء بعض الأنشطة الثقافية سواءً بأعمال بدنية تستهدف منع إقامة تلك الأنشطة بآليات غير قانونية أو من خلال فتاوى أو بيانات تحريضية أصدرت ضد مجموعة من المثقفين والمفكرين وطالبت بمصادرة حقهم في الرأي والتعبير عنه حيث إن هذا السلوك لا زلنا نعتقد أنه ينال من حرية الرأي والتفكير خصوصاً أنه أصبح ظاهرة تتنامى بشكل مطرد فانتهاك حقوق الإنسان كما يكون من الجهاز الحكومي فإنه أيضاً قد يقع من تيارات فكرية أو قوى اجتماعية معينة الأمر الذي يحتم التصدي له بذات الحزم الذي يتصدى به للتجاوزات الصادرة من الجهات الرسمية .
عبد الرحمن محمد اللاحم
المصدر: جريدة الوطن السبت 1 ربيع الآخر 1430هـ الموافق 28 مارس 2009م العدد (3102) السنة التاسعة
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3102&id=10106&Rname=149