حق النسيان
30 يوليو 2016 - الاقتصاديةأن ننسى الخطأ، والذنب، والضعف، والعيب من الآخرين ليس إحسانا منا إليهم، ولكنه حق من حقوقهم الأصيلة علينا، لكونه من الفروض التي انقلبت فيما انقلب، وسقطت مع ما سقط من شمائل الخير، وأخلاق الرجال!
من يعمل يخطئ.. ومن يتكلم يزل.. ومن يمشي يتعثر.. ويسقط.. فلسنا بكاملين.. ولا معصومين..! وفي كتاب الله ”والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون“ «78» النحل. إننا دون استثناء، وبالمطلق.. أتينا للدنيا.. لا نعلم شيئا! أي أن كل واحد منا جاء معه جهله، ومعه الجهل بكل شيء، وعدم العلم بشيء.. وهذا لا يستدعي الخجل منه، ولا التغافل عن حقيقته.. إننا في جهل يرتفع عنا بمقدار ما نتعلم، وأن هذا العلم يأتي متدرجا وبطيئا جدا.. وعسيرا جدا، وحتى يتطور هذا إلى وعي أو حكمة.. سنسقط في كثير وكثير مما يعوزه الستر، والتفهم والقبول. الخطأ أحيانا يكون باب التعلم، والحكمة المقبلة.
نحن كأبناء آدم الذي عصى ربه وغوى، مدينون لكل الأخطاء التي علمتنا، والتي ألمتنا، فلولا هذا الألم لما كان للتجربة قيمة، ولما كان لأي نصر ثمن يستوفيه، فهو أولا وأخيرا ما يسبق الجني والتمام والقطاف.
من سلوك الجهل المشاع في المجتمعات العربية، العودة إلى عتيق المواقف، وقديم الأخطاء، وسابق الذنب، بعد كل خصومة عارضة. وكأنهم يفترضون.. العصمة والكمال في غير نقص، والثبات دون تبدل أو تغير، وهذه كلها صفات يختص الخالق بها، ولا يقدر عليها المخلوق، ولا يستطيعها ولو سعى إليها. ومن الظلم التحميل فوق القدرة والاستطاعة.
من حق كل مذنب أن ننسى ذنبه بعد توبته منه، ومن حق كل صاحب رأي ألا نعود لما تراجع عنه، أو تركه، أو تباعد عنه! ومن حق كل مقترف معصية.. أن ننساها ولا نعيره بها.. مهما اختلفنا معه، أو اختلف معنا.. أن ننسى يعني ألا نعير أحدا بأي ضعف منه، وأن ننسى يعني ألا نحفر في الصخور سيئات الخلق، لأننا جميعا دائما على وشك أن نكون شيئا كاملا.. ولكننا أبدا لن نبلغ الكمال، ولن نصل إليه.. ولن ننتهي إليه.. إلا بعد الرجوع إلى الله حيث تستقر الصفات في تمام كمالها دون نقص أو عيب.
في مواقع التواصل الاجتماعي، العودة لكل سيئ دائما من المخالف لنا، حتى يكون حرضا أو يكون من الهالكين، وفي كل مرة.. قلما تجد حكيما ينصف، أو عاقلا يروي الوقائع في مستقر الحدوث والنشأة الأولى، قلما تجد من يخبرك أن النسيان للذنوب والنواقص هو فريضة علينا، وحق من حقوق الناس. وأننا حين لا نعود إليها، أو نعيرهم بها، فهذا يدل على أننا قد بلغنا رشدنا.. ونلنا ما قدره الله لنا، من عفة النفس وطهارة القلب.. علموا أطفالنا النسيان.. لأخطاء غيرهم وذنوبهم.. لأن أجيالنا تربت على طبيعة عدم المغفرة لأي ذنب. وعدم إغماض العين عن أي منقصة.