وطن بحجم الُحب!
21 سبتمبر 2016 - جريدة الشرق الأوسطميرزا الخويلدي
ماذا يريد السعوديون في يومهم الوطني؟٬ ما أحلامهم٬ آمالهم٬ تطلعاتهم؟٬ وما الذي يقلقهم؟٬ كيف يرون وطنهم اليوم٬ وغًدا؟٬ ما أولوياتهم الوطنية؟٬ ما واجبهم من أجل رفعته وحفظه وصيانته؟
يتحدث السعوديون كثيًرا عن «الثوابت الوطنية»٬ لكّن ما تلك الثوابت؟٬ وما معيار التزامهم نحوها؟
تذكرنا مناسبة اليوم الوطني بالتضحيات التيُبِذَلْت لتوحيد هذا الكيان العظيم٬ وبالفرص الواعدة التي تنتظره٬ وأيًضا بالتحديات التي تواجهه٬ والمسؤوليات الجسيمة التي تقع على عاتق أبنائه.
أولى تلك المسؤوليات٬ الوعي بأهمية ومرجعية ونهائية هذا الكيان لأبنائه كافة٬ والإيمان بالواجبات والحقوق المتساوية تجاهه. هناك من يرى أننا نواجه تحديات خارجية محدقة٬ وهو محق.
لكّن أكبر تلك التحديات لا تأتي من الخارج بالضرورة. التحدي الأكبر يأتي من الناس أنفسهم٬ حيث مسؤوليتهم تجاه بلادهم وتجاه الشعب الذي ينتمون إليه في رّص الصّف الوطني٬ وتمتين هذه الوحدة٬ وتوثيق أواصرها٬ ومنع أي أحد من الإضرار بها أو إضعافها أو تهوينها٬ وهذا هو التحدي الأكبر.
لا يمكن مجابهة الأخطار الخارجية وهناك من يعمل ليل نهار على إضعاف وحدة المجتمع وبث الشقاق بين أبنائه.
ولا يمكن أن نعبر نحو المستقبل وعلاقاتنا البينية مصابة بالخلل وانعدام الثقة.
ولا يمكن أن نرص بنياًنا وطنًيا متماسًكا وهناك من يريد وطًنا على مقاسه٬ لا يشارك فيه الآخرون.
إذا كانت وحدة البلاد ونظامها السياسي هما الثابت الوطني الأول٬ فإن الوحدة الوطنية هي الركن الثاني٬ وترسيخ هذه الوحدة تتطلب قبل كل شيء الإيمان بتعدد هذا المجتمع٬ واحترام تنوعه الفكري والثقافي٬ وأن الوطن يتسع للجميع ويّعبر عن هموم وتطلعات وهويات الجميع٬ دون استئثار أو إقصاء لأحد.
ثم سّن التشريعات التي تّجرم كل ما يضعف وحدة المجتمع أو يعتدي على تماسكه.
أهمية هذا الإيمان أنه يشكل جدار حماية ويوفر واحة اطمئنان بأن هذا الوطن يسع الجميع٬ ويتحمل آمالهم وطموحاتهم٬ من دونه يضيق الوطن بأهله٬ وتصبح الحياة فيه مسكونة بالخوف والرهبة.
السعوديون يعون جيًدا أن هناك من يتربّص بهم٬ وعند المخاطر يشعرون أن هناك من يمتحنهم في وحدتهم وتماسكهم٬ لكن في الحقيقة لا نلحظ جهًدا جمعًيا للتصدي لهذه التحديات.
على العكس؛ فالوطن كغيره من المفاهيم التي تعرضت للاستحواذ والاستملاك من فئات تريد الاستحواذ على الأرض والهوية والانتماء والثروة لتبقى خالصة لها من دون الآخرين٬ ثم تجلس لتوزع شهادات حسن السيرة والسلوك على شركائها في الوطن.
والغريب أن أولئك المفتونين بتوزيع شهادات الولاء الوطني يمارسون تدميًرا ممنهًجا لأواصر ووحدة هذا المجتمع عبر سيل هائل من إثارة النعرات والكراهيات وبث الأحقاد والشحناء بين الناس.
أين هم أولئك المشتغلون بوضع الحواجز بين السعوديين٬ وتعميق ثقافة الغالب والمغلوب٬ من خطاب قائد هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز٬ (مايو «أيار» 2015(٬ حيث قال إن «أنظمة الدولة تتكامل في صيانة الحقوق٬ وتحقيق العدل٬ وكفالة حرية التعبير٬ والتصدي لأسباب التفرقة ودواعيها٬ وعدم التمييز٬ فلا فرق بين مواطن وآخر٬ ولا بين منطقة وأخرى٬ فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات». هذا التوجيه هو البوصلة التي ينبغي أن يتجه نحوها كل المحتفلين باليوم الوطني٬ فهذا الوطن يتسع للجميع٬ ويعبر عن الجميع ويتشارك فيه الجميع٬ يستحق أن يحفظ في قلوب المحبين.