درس كعكي
31 يناير 2017 - محرر الموقعناصر موسى الحسين
قد يتذكر كثير من القراء شخصية «كعكي» الفوضوية في مسلسل الأطفال الشهير «افتح يا سمسم» وهو يتلقى درساً في إعداد وجبة البرجر بطريقة صحيحة، وبعد أن بذل المعلم جهده في إيضاح الكيفية نظرياً وعملياً وجاء وقت التطبيق العملي للدرس التهم «كعكي» الصحون والأدوات واللحم وكل ما وجده على الطاولة.
ضحكنا كثيراً على هذا المشهد الطريف حين كنا صغاراً وتلذذنا بفوضوية «كعكي» وطريقة التهامه للأشياء، ولم نكن حينها ندرك جيداً المغزى من الفكرة، فالعقول ما زالت صغيرة على تفسيرها وإعطائها أبعاداً جادة، بل كانت تعبّر عن حبنا الفِطْري للفوضى.
أما وقد كبرنا وأصبحنا ندرك طبيعة الإنسان المجبولة على الانفلات واللانضباط فإننا يمكن أن نلاحظ الآن وبوضوح أن سلوك «كعكي» هو صورة حقيقية مؤلمة تتمثل في السعي نحو الإنجازات دون اكتراث للتخطيط والتنظيم والتسلسل الطبيعي لتحقيقها.
ويمكن لنا أن نضع شواهد كثيرة للفوضى التي تصطبغ بها إدارتنا لحياتنا واقتصادنا إلى حد الارتجالية والانفلات من القيود.
ورغم الكلام الكثير حول التخطيط للبرامج الاقتصادية والتنمية إلا أننا نجد أنفسنا أمام «كعكي» حقيقي يخلط الحابل بالنابل، لا يعترف بدراسات الجدوى، ولا يضع اعتباراً لخطط العمل ولا لتنفيذها أو تقييم مراحلها.
الفوضى «الكعكاوية» نلمسها في تفاصيل اقتصادية كثيرة، أحد تجلياتها فيما يرتبط بالعلاقة بين القطاعات الاقتصادية، وبالتحديد في إجراءات التنسيق بين القطاعين العام والخاص لوضع رؤى وبرامج مشتركة، إذ غالباً ما تخطط الوزارات بعيداً عن مشاركة القطاع الخاص، ويتفاجأ هذا القطاع – في كثير من الأحيان – بخطط وبرامج غير متطابقة مع تخطيطه أو على الأقل غير مستعد لها، والكارثة حين يتوهم بأنه في الاتجاه السليم طالما ستكون مرحلة التنفيذ للمشاريع الحكومية على يديه، لذلك نجد كثيراً من المخرجات تأتي مشوهة.
من المؤكد أن غياب التنسيق يؤدي إلى حزمة من الإخفاقات والمشاكل، من بينها إبطاء عمليات التنمية، وضعف تحقيق الرؤى، والهدر المباشر للموارد الاقتصادية والبشرية، وسوء المخرجات، وهروب الاستثمارات، فضلاً عن عدم القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، ويتحمل كلا القطاعين المسؤولية عن جميع هذه الإخفاقات.
ولكي لا نبخس الناس أشياءهم ينبغي أن نشير بإعجاب إلى بعض المبادرات على مستوى إشراك القطاع الخاص في التخطيط للتنمية، أبرزها نموذج دبي، فالمستثمر هناك يمتلك رؤية واضحة عما ستكون عليه صورة البلد على مدى 25 سنة على الأقل، ويعمل وفق هذه الرؤية، ويخطط للتوسعة بناءً على الاحتياجات لكل مرحلة.
يعد التنسيق بين مؤسسات الدولة وشركات القطاع الخاص، والتخطيط المشترك للمشاريع والبرامج من الضرورات ومرتكزات العمل التنموي، سواء في الاقتصاد أو غيره، وإذا كان في العمل بالطريقة الحالية – البعيدة عن التنسيق – فوائد محدودة وآنية، فإن التخطيط الجمعي يحقق فوائد كبيرة بعيدة المدى، وهي الطريقة التي تعمل بها كثير من الدول المتقدمة، فالقطاع الخاص جزء أساسي في التخطيط للاقتصاد، وليس مجرد أدوات لتنفيذ المناقصات الحكومية.
نحن بحاجة ملحة إلى هدم الموانع التي تحول دون التنسيق والتخطيط المشترك، والعمل وفق مبدأ الشراكة الحقيقية بين جناحي التنمية، وربما من الضروري الإشارة إلى خطورة غياب المؤسسات التعليمية عن هذه الشراكة، فهي التي توفر العنصر الأهم في التنمية.
الموارد البشرية التي تخطط للمستقبل وتنفذ برامج التنمية وتحقق التطلعات.
وإذا كانت الشراكة بين القطاعين العام والخاص حاجة ملحة فيما مضى، فهي اليوم أكثر إلحاحاً مع الظروف الاقتصادية، فالمخاطر تضاعف الحاجة إلى التعاون والتعاضد والتنسيق والتخطيط، والوضع لا يحتمل الأسلوب «الكعكاوي» تخطيطا أو تطبيقاً.