المرأة ومعركة «ذات الكتب»
15 مارس 2017 - جريدة الشرق الأوسطميرزا الخويلدي
انتهت معارك «ذات الكتب»، أي السجالات السنوية التي تشهدها أروقة معرض الرياض الدولي للكتاب. عما قريب سينفض السامر، ولن يبقى من أثر سوى الحقيقة، وهي أن آلاف الكتب أخذت طريقها للبيوت، ليصبح «بعضها» مشاعل للتنوير والمعرفة، والثقافة، والفكر، والجدل، والفن، والأدب، وتعمل على تشغيل محركات البحث والتفكير والاستقصاء، وصولا للتحليل والاستنتاج، وهي أدوات التفكير الحر والمنطقي التي يوفرها الكتاب.
قديما كانت سجالات معرض الكتاب جزءا من صورته، وفاكهته، ومذاقه، وصوته الذي يشد الاهتمام ويعيده إلى صدارة الأخبار. وهي تعبير عن التباين الهائل بين التيارات التي تعيش في المجتمع، وتسعى لحيازته واستملاكه، وتحديد ملامح مستقبله.
انحسرت اليوم تلك المعارك، لم نعد نشهد واقعة «ذات الكتب» من جديد كما شهدناها مثلا في معرض مارس «آذار» 2006، خلال ندوة «الرقابة الإعلامية ومتغيرات العصر»، عندما احتجّ محتسبون بالمئات قيل إنهم لا يحملون صفة رسمية للدعوات التي نادت بإلغاء مبدأ الرقابة التي لم تعد منسجمة مع روح العصر، فأثاروا جدلا واسعا أدى إلى تعطيل الندوة وإيقافها، أو كما شهدناها أثناء عرض مسرحية «وسطي بلا وسطية» في 27 نوفمبر «تشرين الثاني» 2006، حين هاجم متشددون المسرحية التي كانت تعرض في كلية اليمامة شمال الرياض، وحاولوا الاعتداء على الممثلين. كذلك بالنسبة لمعرض عام 2014، خلال ندوة «الشباب والفنون… دعوة للتعايش» التي حاضر فيها الدكتور معجب الزهراني. هذا العام أيضا هاجم أحدهم عرضا فنيا لفرقة ماليزية، تؤدي وصلة من التراث الشعبي لماليزيا، ضيف الشرف، الأمر الذي لقي استهجان الجميع.
لا يخلو المعرض من إثارة للجدل، لمن يريد أن يفتش عن معركة، فحين تفقد الفعاليات إثارتها يفتشون عن دور النشر، وحين تتراجع الوزارة خطوات وتقلص عدد دور النشر، يفتشون في الأرفف بحثا عن كتاب مثير… ودائما كانت محاولاتهم مجدية، فلا يخلو المعرض من كتب خصومهم الفكريين أمثال: عبد الله القصيمي، ونصر حامد أبو زيد، ومحمد عابد الجابري، وتركي الحمد، وغازي القصيبي، وروايات عبده خال، ومحمد شكري وطه حسين ونجيب محفوظ، وغيرهم.
وسينتهي الأمر عند قضية الاختلاط. لكن هذه القضية أصبحت وراءنا اليوم، ما هو أمامنا الصورة المشرقة التي تمثل مصدر فخر لكل السعوديين، أعني صورة مئات النساء السعوديات اللاتي ازدحم بهن المعرض، ونافسن الرجل في العدد وفي الإقبال على شراء الكتب والتعرف على ما هو جديد. المرأة السعودية سجلت حضورا مذهلا في المعرض، وهذه علامة قوة وحيوية للمجتمع بأسره الذي تنشغل فيه السيدات والفتيات بهذا العدد باقتناء كتب الثقافة والرواية والفن، لا ننسى الصعوبات التي تمثلها حركة المرأة في مجتمع محافظ، ولا نغفل أننا نتحدث عن المرأة في مجتمع استهلاكي. لقد أعطت المرأة لمعرض الكتاب قوته وحضوره وحيويته وأعطت مؤشرا على أن الثقافة ترسخ نفسها في مجتمع متحرك، نابض بالعنفوان والحيوية.
اليوم شاهد الناس كيف أصبح حضور المرأة ضرورة وحاجة إلى ترسيخ قيم المعرفة لدى المجتمع… وهكذا يبقى الأثر الإيجابي للمحافل الثقافية، ويطوي النسيان كُل الثارات والمعارك والغزوات التي تستهدف الكتاب، وتنال من المعرفة.