المرأة السعودية وتحديات التمكين
13 مارس 2020 - أ . عالية فريديحتفل العالم في الثامن من مارس/أذار بقرار منظمة الأمم المتحدة عام 1977م، يوما دوليا للمرأة بغرض لفت أنظار العالم إلى قضية المرأة، فيحتفل العالم في هذا اليوم بنضالات المرأة التي خاضتها من أجل الحصول على حقوقها الإنسانية والمدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، والإحتفاء بإنجازاتها التي حققتها أو تحققت لها، وعلى الرغم من كل المجهودات التي تبذلها الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة المعنية بالمرأة، والجهود التي تبذلها الحكومات والمنظمات الطوعية الوطنية والإقليمية والدولية، لا تزال التقارير تشير إلى أن إنتهكات حقوق المرأة هي الأكثر إنتشارا في العالم، وأن حالات الإفلات من العقاب هي الأكثر فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة ضد النساء.
وقد دشنت منظمة الأمم المتحدة موضوع إحتفالها لهذا العام بعنوان ”أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة“ ليتماشى هذا العنوان مع الحملة متعددة الأجيال الخاصة بالمرأة المسماة ب ”جيل المساواة“، ويذكر موقع المنظمة أن العام 2020 عام محوري للنهوض بالمساواة بين الجنسين في جميع دول العالم وعلى رأسها الدول العربية.
وتقر المنظمة بأنه رغم إحراز بعض التقدم إلا أن التغيير الحقيقي كان بطيئا بشكل مؤلم بالنسبة لغالبية النساء والفتيات في العالم، وأنه لا يمكن لبلد واحد أن يدعي أنه حقق المساواة بين الجنسين بالكامل، وبحسب إحصائيات البنك الدولي لدول الشرق الأوسط أن التقدم الأبرز للمرأة كان في ساحة التعليم إذ بلغت نسبة النساء في التعليم 7%’87 عام 2018م مقارنة 3، %81 عام 2020 لاكن هذا التقدم لا يقابله زيادة فرص النساء في سوق العمل إذ بلغت نسبة البطالة 7% ’17 عام 2018 مقارنة 2%’17عام2020. وهنا يمكننا أن نتسائل هل التقدم في فرص التعليم وإرتفاع نسبة وجود النساء في سوق العمل وتمكين المرأة هو ما يحقق المساواة بين الجنسين؟ أم أن هناك عوائق وتحديات تعيق ذلك؟
بالنظر لواقع المرأة العربية فهي لازالت تواجه كافة أشكال العنف والتمييز ضدها سواء كانت فتاة أو سيدة ربة أسرة أو عاملة، والمناخ المحيط بها لازال متأزما فهي تواجهه ظروف إحتماعية وسياسية واقتصادية مجافية للحقوق الأنسانية، كشفت عنها التقارير السنوية التي اعدتها منظمات الأمم المتحدة حول الواقع الإنمائي للدول العربية وما تعيشه المرأة من حالة اختزال على مستويات عدة سياسية اقتصادية ثقافية واحتماعية، حيث لا تزال تعيش حالة من الدونية وإنتقاص لكثير من حقوقها التشريعية والقانونية، ولم تحقق لها المساواة في الحقوق والواجبات التي تعيقها من مواجهة المجتمع المتخلف ولم تمنحها موقعا متقدما في قيادتها ومشاركتها.
ورغم أن هناك تحسن على مستوى المشاركة السياسية وفقا للإتحاد البرلماني الدولي فإن النساء شكلن خلال العام 2018 نسبة 25% من نواب العالم وهو مايعتبر نقلة نوعية خلال العشر سنوات الماضية حيث بلغت نسبة النساء اللواتي حصلن على مقاعد برلمانية 11,7% خلال العام 2010
ومع ذلك لا زالت المرأة العربية تعاني من ارتفاع مستويات الأمية بنسب تناهز 70 % في بعض الدول كما انها تعاني من مستويات عالية من التسرب في المراحل التعلمية المختلفة ناهيك عن الصعوبات الجمة التي تواجهها من اجل استكمال تعليمها الجامعي اما بسبب عدم الإستقرار السياسي وإنعدام الأمن أو بسبب الفقر وسوء الظروف الإقتصادية والمعيشية أو استشراء العادات والتقاليد الإجتماعية التي تمنع المرأة من استكمال تعليمها، وكذلك تعاني من اشكال مختلفة من التمييز سواء في المنزل او العمل نتيجة للسلطة الذكورية ولنظرة المجتمع التي تؤطر المرأة ضمن حدود وتصورات معينة تمايز بينها وبين الرجل.
ووفقا للتقارير الأخيرة لمنظمة الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة فهي تشير أيضا إلى تعرض حوالي ثلث النساء حول العالم لأحد أشكال العنف الأسري أو الجنسي، وتزيد النسبة قليلا في العالم العربي لتصل إلى 37 في المئة، وقد تصل نسبة النساء المعنفات في بعض الدول إلى 70% الأمر الذي يعرقل أي فرصة لتحسين أوضاع المرأة.
اما بالنسبة للمرأة السعودية فقد حضيت بقرارات كثيرة وهامة مثلت خطوات جديدة نحو تمكينها ومنحها كثير من الحقوق، إضافة إلى مشاركتها في صنع القرار ما جعلها أكثر النساء تمكينا من حقوقها، حيث أن مشاركة المرأة في الميدان الإقتصادي هي أولوية من أجل مسارات تنموية أكثر إستدامة.
فعلى الصعيد الداخلي فقد تم سن العديد من القوانين والتشريعات التي تعزز وجود المرأة وحفظ حقوقها، وحسب ما ورد في تقرير ”المرأة وأنشطة الأعمال والقانون للعام 2020 الصادر عن مجموعة البنك الدولي أن المملكة العربية السعودية حققت قفزة غير مسبوقة في الأنظمة المرتبطة بالمرأة حيث سجلت“ 70,6 ”درجة من أصل 100 في مقياس التقرير، كما صنفت الدولة الأكثر تقدما وإصلاحا بين 190 دولة حول العالم لتصبح الدولة الأولى خليجيا والثانية عربيا، وبناءا على التقرير جاءت السعودية في صدارة الدول الأكثر تقدما، حيث تحسنت في 6 مؤشرات في التنقل، مكان العمل، الزواج، رعاية الأطفال، ريادة الأعمال، التقاعد“ إضافة إلى ذلك فقد أصدر مجلس الوزراء قرارا – يسمح للمرأة بالسفر للخارج، وإستخراج جواز سفر دون الحصول على موافقة من ولي الأمر ممن تجاوزت أعمارهم واحد وعشرون عاما.
– منحت المرأة السعودية إمكانية إستخراج جوازات سفر الخاضعين للحضانة دون الحاجة إلى وجود معرفين أو موافقات مسبقة.
– رفعت مؤسسة التأمينات الإجتماعية سنة التقاعد للمرأة العاملة في القطاعين العام والخاص من عمر 55 – 60 عاما إسوة بالرجل.
– شملت التعديلات نظام الأحوال المدنية جملة من القرارات المتضمنة إدراج المرأة في فقرات مواد الأشخاص المكلفين بالتبليغ عن المواليد حالها حال الرجل، والتبليغ عن حالة الوفاة، كما أضافت التعديلات الجديدة الزوجة ضمن من يبلغون عن حالة الزواج أو الطلاق أو الرجعة أو التطليق أو المخالعة في حين كان ذلك مقتصرا على الزوج. وأصبحت المرأة السعودية رب الأسرة مناصفة مع الزوج في حالة الأبناء القصر حيث تضمنت التعديلات الجديدة أن رب الأسرة يعد هو الأب أو الأم بالنسبة إلى الأولاد القصر، كما تم التعديل على أن لأي من الزوجين حق طلب الحصول سجل الأسرة من إدارة الأحوال المدنية، وأتاحت تعديلات نظام الأحوال المدنية للنساء للمرة الأولى الإستفادة من خدمات الأحوال المدنية المتمثلة في تسجيل المواليد والزواج والطلاق وإصدار وثائق أسرية رسمية بالإضافة إلى حق الوصاية على الأطفال القصر.
إن تهيئة الببيئة السليمة للمرأة وزيادة مشاركتها في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية يساهم في الوصول إلى التقدم والرفاه الحضاري الذي ينشده الجميع وإلى الفضاء الذي تحترم فيه قيم المساواة والعدالة والحرية. ومع كل الإمتيازات والحقوق التي حصلت عليها المرأة السعودية فثمة معوقات ثقافية وإجتماعية تعيق إنطلاقة المرأة ليس من السهولة الإنعتاق منها، حيث تواجه المرأة ضغوط نفسية وفكرية يجعلها تصطدم بقيود أسرية وأعراف إجتماعية بحاجة إلى أن تتحرر منها، فكثير من النساء يعشن حالة من القلق تجاه إثبات قدراتهن، فلكل إمرأة معاناتها الخاصة في طريق إثبات نفسها، ناهيك عن جهل بحقوقها وحرية اتخاذها للقرار، اذ توجد قناعة تامة بأن قرارها منذ الصغر ومرحلة المراهقة وحتى سن البلوغ أن قرارها يجب أن يكون بيد غيرها حتى لو كانت متعلمة فهي لا تزال تخوض غمار هذه المعاناة للحصول على حريتها.
وأعني بهذه الحرية أن تثق المرأة بذاتها وتستعيد قوتها في الإعتماد على نفسها، وأن تحرر من الخوف والحاجة، من العنف ومن السلطة الذكورية، التحرر من التبعية وسيطرة الرجل، ومن الخوف من المجتمع ونظرتة تجاهها، التحرر من نظام القبيلة والوصاية الأبوية، المرأة بحاجة إلى أن تكون واثقة بذاتها معتزة برأيها لتكون ملكة قرارها، وهذا يسلتزم وقتا طويلا كي تتخلص من حزمة التراكمات الماضية التي تمثل تركة ثقيلة من الموروثات الفكرية التي أحطت من شأنها وحجمت دورها وجعلتها في منزلة متدنية، إضافة إلى التقاليد الإجتماعية والتفاسير المغلوطة التي حجرت على عقلها فعاشتها وتربت عليها، كل هذه تحديات سوف يتجاوزها المجتمع تدريجيا، فقناعة الرجل بأهمية النهوض بالمرأة، وقناعة المرأة بنفسها إنسانا كامل الأهلية مساو للرجل في الحقوق والواجبات، وقناعة المجتمع رجالا ونساء بأهمية دور المجتمعات للنهوض بالأمم لهو طوق النجاة الوحيد الذي يمكن أن يزيح عن مجتمعنا ركام التخلف إلى الدولة السعودية الجديدة
،.
اخيرا: ان معاناةة المراة العربية ستبقى مستمرة مالم تتظافر الجهود لنقل قضية المرأة من قضية مطلبية الى قضية حق انسانية مجتمعية تحترم حقوق المرأة وتحفظ كرامتها وتؤمن لها سبل العيش الكريم.
وبحاجة إلى تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة للقيام بدور أكبر، وصنع إستراتيجيات وسياسات إقتصادية للقضاء على الفقر والجوع والبطالة والمرض الذي تعاني منها الكثير من النساء حول العالم وتعزيز التنمية المستدامة
إني فخورة بما حققته الدولة في بلادي حيث تسجل المرأة السعودية اليوم خطوات ثابته ومتقدمة في المسيرة التنموية، وتسطر من خلالها خطوات مشرقة نتيجة جهود واسعة وحثيثة في العمل والأداء والإنجاز على مدار سنوات طويلة ماضية، توجت برؤية المملكة التي أوجدت بيئة لإبراز قدرات المرأة، فالدور الذي تشهده المرأة السعودية اليوم في مجال الدعم والتمكين يمثل الدافع الأهم للمنجزات والمكتسبات التي تحققت، والمحفز الأبرزهو دعم قيادة البلاد الحكيمة وفق رؤية 2030 الذي منحت المرأة الفرص الواعدة لأن ثبت قدراتها وإمكانيتها في التطوير من خلال المراكز والمناصب التي تبوئتها في العمل، ودعم كافة البرامج والمبادرات والمشاريع الهادفة لتمكين المرأة وتعزيز دورها لتحقيق المزيد من الإنجازات.