حقوق المرأة السعودية ونظام مكافحة التحرش
2 أكتوبر 2017 - أ . عالية فريدبعد الأصداء الكبيرة المحلية والعالمية التي طالت قرار تمكين المرأة السعودية من قيادة السيارة وما لاقاه من ترحيب كبير يصب في مصلحة الوطن والمواطن متيحا فرصة القيادة للمرأة كاختيار ليس إجبار، إضافة إلى أهمية القرار وما يترتب عليه من أبعاد إيجابية لاسيما أنه ساهم في إزاحة هموم كبيرة كانت تعانيها المرأة أبرزها مشكلة السائق وتتابعاتها.
إلا أن هذا الترحيب والاستحسان الذي لاقاه القرار رافقه توجس وخوف من قبل الكثير، كان باعث هذا الخوف هو عن كيفية تأمين البيئة الآمنة لحماية المرأة وصيانة حقوقها من جهة ولممارسة حقها في التنقل وحمايتها هي تقود السيارة من جهة أخرى، وهذا يدفعنا لتناول هذه النقاط،،،
1 – مكافحة التحرش الجنسي: وهو نوع من أنواع الإيذاء، بل ويدخل في دائرة العنف الذي تتعرض له المرأة بشكل عام والمرأة العاملة بشكل خاص، والتحرش الجنسي اعتداء يعبر عنه في سلوكيات وتصرفات واضحة ومباشرة ضمنية إيحائية تحمل مضامين جنسية ويكون إما باللفظ او اللمس او بالإيحاء والإشارة وقد يصل للاعتداء، وهو مدرج ضمن أشكال العنف ضد المرأة، وحيث ان التوجهات العالمية والأهداف الإنمائية للألفية الثالثة تصب الجزء الأكبر من اهتماماتها على أوضاع المرأة ومشكلاتها بهدف النهوض بها، فإن الحديث عن اوضاع المرأة لا يمكن أن يكتمل الإ بابراز ومناقشة مشكلاتها المختلفة مما يدفعنا لإثارة هذا الموضوع وهو ليس جديدا على الساحة السعودية بل هوضمن ملف المطالبات المسبقة للكثير من المثقفين والنشطاء والمؤسسات الحقوقية.
وبالنسبة لمجتمعنا السعودي يعتبر موضوع التحرش ظاهرة اجتماعية خفية ومعلنة أحيانا، لكنها مزمنة وقديمة تمثل أخطر مظهر من مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان، ويعد من أبرز المشاكل التي تواجه المرأة خاصة وتكون عرضة لها في مواقع عديدة في مكانً العمل، في الشارع، في السوبر ماركت، في السوق، في المستشفى وغيرها من الأماكن، حتى وهي في بيتها لم تسلم اليوم بل تطورت أساليب التحرش بتطور وسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي التي كثرت فيها عمليات ابتزاز المرأة، غير أن هذه الأخيرة تم ضبطها بإصدار نظام مكافحة جرائم المعلوماتية المصادق عليه بتاريخ 1428 هجرية وأصبح نافذا.
وإضافة الى وجود ”نظام الحماية من الإيذاء الصادر سنة 1434 هجرية“ لكنه مقيد بظروف معينة وأشخاص محددة، ومع وجود لائحة تنظيمية في ”نظام العمل السعودي“ لضبط سلوك الموظف والموظفة، لاكن ذلك لا يلغي أهمية وجود ”نظام مكافحة التحرش“ يكون اكثر دقة وخصوصية لهذا الموضوع ويعنى بحال المرأة السعودية بالخصوص وهي تقود السيارة، مع ملاحظة أن العنف بشتى أنواعه لايزال ضمنً حلقة الشأن الأسري الخاص، فكيف بالعنف الجنسي أو التحرش الذي لا تصرح به المرأة عادة وتلوذ بالصمت وعدم الإفصاح، كونه من الظواهر المستترة نتيجة للخصوصية الثقافية والبيئية للمجتمع، والذي لازال الغالبية فيه ينظر بتحفظ شديد وسرية تامة للعلاقات الأسرية، الى جانب ذلك عدم الإبلاغ عن المتسبب بالعنف لأسباب عديدة اجتماعية نفسية واقتصادية وغيرها، بحيث تبقى المرأة ضحية العنف تعاني ملزمة بالصمت عن الإبلاغ سواء كانت فتاة أو متزوجة أو لديها اسرة، موظفة او غير موظفة، ونتيجة لذلك تستمر الظاهرة ويتكرر الحدث، مما يجعلنا نؤكد على أهمية وجود تشريعات وإصدار قوانين ضابطة ورادعة، ولوائح وأنظمة خاصة بذلك، وهو ما يندرج في إطار قوانين حماية المرأة العاملة أيضا وضمان عدم تعرضها للتحرش أياً كان شكله فوجود ”نظام مكافحة التحرش“ إجراء وقائي هام وضروري، اذ كيف نطالب المرأة أن يكون لها دور فاعل في العملية التنموية داخل مجتمعها، ونحن نجهل ونغص النظر عن مدى معاناتها من تعرضها للعنف على اختلاف اشكاله؟ في ذات الوقت التي أدركت فيه العديد من المجتمعات الأخرى ظاهرة التحرش الجنسي الخطيرة بأبعادها واثارها على المرأة وعلى دورها الأسري والتنموي المتوقع، وعملت على اتخاذ الخطوات العلاجية والوقائية والإجرائية للحد منها، الأمر الذي يدفعنا للاستفادة من هذه التجارب القريبة والبعيدة، إن إصدار ”قانون مكافحة التحرش ضد المرأة“ مع تنفيذ قرار قيادة المرأة ضروري جدا لما يكفل للجنسين على حد السواء الحق في معاقبة من يتعرض له بل يكفل حقه في المطالبة بذلك أيضا.
وأن يكون أكثر شمولية ووضوحا فهو يمكن المرأة في موقعيتها على الساحة السعودية ويضمن لها اعتبارها بعيدا عن التمييز والتهميش ويكفل حقوقها كما أقرها الدين الإسلامي الحنيف.
وهو مما يتفق مع نص المواد الأساسية في النظام الأساسي للحكم في مادته «8» “يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية“.
حماية للمرأة وبما سيكفل لها حقها الإنساني في التنقل بأمان واستقرار في بيئتها ومجتمعها ويضمن لها الاحترام والكرامة كمواطنة.
وقد جاء قرار خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – السماح بقيادة المرأة للسيارة مستتبعا بعدها بأمره السامي وتوصيته بإعداد ”مشروع نظام لمكافحة التحرش“ خلال ستين يوما لخطوة رائدة وجادة تجاه تنفيذ القرار ومتابعته مما يدل على حرص القيادة الرشيدة على تنمية المرأة وإيمانا بجدارتها في تحمل المسؤوليات الموكلة لها، مع الاحتفاظ بهويتها، نتمنى أن يبصر النور قريبا لأنه سوف يذلل الكثير من الصعوبات التي تواجهها المرأة.
2 – محاربة الأمية القانونية للمرأة السعودية: إن غياب الثقافة الحقوقية والقانونية للمرأة السعودية يجعلها قاصرة عن حماية نفسها، وغالبا ما يكون استجابة المرأة لما تتعرض له من عنف ”لفظي، جسدي، جنسي“ على علاقة بمدى وعيها وإدراكها بحقوقها الشرعية والقانونية، وما يترتب على هذه الحقوق من واجبات ومالها في مقابلها من ضمانات تضمن لها العيش بكرامة، وهنا تنبع الحاجة لأهمية وجود برامج وطنية شاملة للنهوض بثقافة المرأة السعودية القانونية والحقوقية والتي تساعد في رفع مستوى الوعي لديها، عبر برامج توجيهية إرشادية عن طريق المحاضرات والندوات وورش العمل وغيرها من وسائل التثقيف والتوعية في المدارس والمحافل والجامعات، وبمخاطبة حديثة وجديدة تتواكب مع المستجدات والمتطلبات التغييرية والإصلاحية في المجتمع، عبر المنابر وفي وسائل الإعلام للنهوض بمستوى الوعي الفكري والنضج الثقافي للمرأة والتعريف بحقوقها وواجباتها وما يتطلب وضعها الجديد من تقدير واحترام والنظر تجاهها كشريك مكمل للرجل في بناء الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وفي مختلف الحقول الأخرى.
هذا بالإضافة الى جدية التعامل من قبل الأجهزة المعنية في الأمن والمرور ومراكز الشرطة وفي المحاكم في طريقة التعامل مع قضايا التحرش ومشكلات المرأة.
إن وجود تشريعات خاصة بتجريم العنف الموجه للمرأة وفق الاحتياجات والظروف المستجدة ووفق لائحة تنفيذية يجب ان تكون مواد ها سلسة وبسيطة في متناول الجميع ليسهل فهمها واستيعابها هذا بدوره سيسهم في دعم وتعزيز نشر الثقافة الحقوقية وكسر حاجز الصمت ويدفع المرأة للإبلاغ عن ما تواجهه من عنف.
واقعا المسؤولية كبيرة وتحتاج الى تظافر الجهود مجتمعة لصنع ثقافة إيجابية حول المرأة ومشاركتها جنبا الى جنب مع الرجل في عملية التنمية، إضافة إلى أهمية تدريس مادة حقوق الإنسان الخاصة بحقوق المرأة في المدارس والجامعات والتي كثيرا ماكنا نطالب وننادي بها عبر مؤسساتنا الحقوقية كجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان بجانب المبادرات للمثقفين ولمؤسسات المجتمع المدني واللجان الاجتماعية من أجل توعية اكبر وأعم بقضايا المرأة ودورها في المجتمع.
3 – متابعة الإجراءات الإدارية والتنظيمية للخدمات التي تتطلبها هذه القفزة التاريخية في المملكة، من حيث توفير البيئة المناسبة من تحسين البنية التحتية للطرق وأمنها، وتوفير الخدمات المساندة والمناسبة لذلك من تشريعات وانظمة مروية، ومن ورش ميكانيكية وساحات تدريبية وغيرها، مع ادراكنا التام للجهود التي تبذلها الدولة لإتمام خططها ولاكن على المجتمع ودور رجال الأعمال التعاون في ذلك.
اخيرا.
رغم المبالغات و”الطقطقات“ الذي أخذها صدى هذا القرار يبقى رهاننا على وعي المجتمع وثقتنا بشبابنا رجالا ونساء وبتربيتنا لأبنائنا فهم فخر وعز هذا الوطن وعنوان مسيرته وتقدمه.