المجالس الشيعية النسائية.. أجيبوني ولكم التقدير!
5 فبراير 2006 - أ . عالية فريدللمجالس – الحسينية – النسائية دورا كبيرا على مدى التاريخ، فبجانب عرضها الملحمة الكربلائية التي إنتهت بمقتل الحسين وأهله وصحبه سنة 61 للهجرة وماخلفته الواقعة من مآسي وآلام وجراح بالغة ألهبت العاطفة وتصدع لها الفؤاد وذابت لأجلها المشاعر ساهمت كذلك في إثراء الجانب الفكري والثقافي للأمة. حيث يعد المنبر الحسيني مصدرا للهداية والفكر النير الذي يبث شعاعه للعالم، فهو من أهم المكاسب وأروع المآثر لثورة الحسين ، وإذ يحتفي المؤمنون في العالم هذه الأيام مع بدايه – كل عام هجري – لاسيما الشيعة المنتمين إلى مذهب أهل البيت ب – العشر الأوائل من شهر المحرم – بإحياء الذكرى وتجديد الولاء وإقامة هذه الشعيرة، تقام من جانب آخر المجالس وتنصب المآتم النسائية المستقلة والتي يطلق عليها غالبا – مجالس التعزية -، ويقدر عدد ها في منطقة الأحساء والقطيف مايزيد على 500 مجلس نسائي كلها تعمل على ترسيخ القضية الحسينية في الوجدان، وتبعث النوازع الخيرة في النفوس فتبعدها عن عوامل الإنحراف وتوجهها نحو الإستقامة والصلاح.
ويعتبر الشيعة إقامة هذه المجالس إحياءا لشعيرة من شعائر الله الذي دعى إلى تعظيمها في قوله تعالى ﴿ ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ﴾[1] وتعبيرا عن الحب وتأكيد الولاء والمودة لآل البيت مصداقا للآية الكريمة ﴿ قل لاأسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ﴾[2] .
وفيها إستجابة لأئمة أهل البيت يقول الإمام الباقر «ما إجتمع إثنان على ذكرنا إلا باهى بهم الله الملائكة فاذا إجتمعتم فاشتغلتم بالذكر، فليكن في إجتماعكم ومذاكرتكم إحياءا لنا، فخير الناس بعدنا من ذكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا»[3] ، فقد كان أئمة آل البيت يواظبون على إقامة هذه المجالس، وكانوا يستقبلون التعازي من المنشدين والشعراء والموالين أيام المحرم أمثال السيد الحميري ودعبل الخزاعي والفرزدق وغيرهم، فيقومون بإلقاء الأبيات الرثائية عن طريق الأدب والنثر وإلقاء الخطب التي تبين فضل الحسين وشجاعته، وكانوا يعقدون لهم المجالس الخاصة ويحضرون في هذه المجالس بناتهم وزوجاتهم ونسائهم وخواص أصحابهم للإستفادة منها.
إضافة إلى ذلك فإن هذه المجالس لعبت دورا متميزا في نشرالفكر والثقافة الإسلامية، وهي وسيلة للإرشاد الديني والبناء الروحي، وفي مقولة مشهورة للإمام الخميني – قدس سره – «إن البكاء على سيد الشهداء وإقامة المجالس الحسينية هي التي حفظت الإسلام منذ أربعة عشر قرنا»[4] وذلك لما يبثه الخطباء من وعظ وإرشاد وعرض لمأساة الحسين .
المآتم النسائية بعد واقعة الطف:
لم يقف أو يتعطل دور المرأة الزينبية عند واقعة الطف فقط، بل تحملت هذه المرأة الدور الحقيقي لممارسة العمل الإسلامي، وتأدية الواجب الرسالي بعد الواقعة، فتبنت إقامة المأتم الحسيني بنفسها، وأخذت تعمل على إحيائه من وقت لآخر، تستعيد فيه الذكرى وتجدد العزيمة وتعمل من خلاله على نشر رسالة الإسلام.
فهناك المأتم بعد الواقعة مباشرة، وهناك المآتم التي أقيمت وسط الطريق عندما سيقت النساء العلويات إلى الشام وإلى المدينة المنورة، ومأتم أم سلمة زوجة رسول الله ومأتم أم لقمان زينب بنت عقيل بن أبي طالب، ومأتم البقيع الخاصة بأم البنين «فاطمة بنت حزام الكلابية» ومأتم السيدة الرباب زوجة الإمام الحسين، ومأتم الحوراء زينب الذي يعد من أعظم المآتم النسائية[5] ، فامتدت هذه الذكرى وإنتشرت في أنحاء شتى من المعمورة ولازالت تتواصل وتنمو وتزيد.
مجتمعاتنا والمجالس الحسينية:
لا يخفى على أحد حجم المعاناة التي تعرضت لها هذه المجالس تبعا للظروف السياسية والإجتماعية، بحيث كان يؤول بها الحال إلى الإنحسار والتراجع أحيانا وإلى الإنتشار والإنتعاش أحيانا أخرى، فقد كانت تقام بالخفاء والسر حتى أن بعض الشيعة كانوا يقطنون السراديب المظلمة والأقبية الموحشة حتى يتمكنوا من آداء وظائف عاشوراء وأعمال المحرم، إلا أن الموالين لآل البيت لم تنثني عزيمتهم في الحفاظ على هذه الذكرى خالدة، وعلى بقاء الأفكار الرسالية صامدة على مداها تتجدد مع التاريخ والزمن.
فبقيت مجالس الحسين تعلوا بالأذكار والفضائل والمحاسن إلى إن برزت شيئا فشيئا وتقدمت في الوقت الراهن برغم الضغوط التي تعصف بها وتواجهها من بعض النظم والقوانين الحاكمة، فهي اليوم تشهد إنفراجات واسعة في إقامتها والعمل على إحياءها.
وبجانب ذلك فقد شهدت المجالس الحسينية النسائية تطورا ملموسا في حركتها وتنظيمها وتشكيلها العمراني وفي إستخدامها التقنية التكنولوجية الحديثة بمختلف أشكالها، وتنوعت في دورها وعطاءاتها لمختلف شرائح المجتمع إلا أنه ومع ذلك لازال يؤخذ عليها ظاهرة الإكتفاء بالإثراء العاطفي والمرثيات بعيدا عن طرح القضية الحسينية بكل أبعادها، وهي بين مؤيد ومعارض بين شد وجذب فهناك تيار المجتمع التقليدي من النساء اللاتي يرفضن أي جديد وأي تغيير لازلن يحافظن على نمط الذكرى القديم في الإنشداد للفاجعة الأليمة بعمقها العاطفي الكبير والمبالغ فيه أحيانا، فينصب تركيزهن وجل إهتمامهن على تناول الأحداث المؤلمة التي تثير النفس وتهيج العاطفة عن طريق السرد القصصي للمصيبة وقراءة المقتل الحسيني بصورة مثيرة ومشجية.
وهناك الشريحة المثقفة والواعية التي تدرك أهمية طرح القضية الحسينية بكافة أبعادها جامعة بين القيم والعاطفة، فهي تعتقد تماما أن للقيم دورها في تهذيب النفس وترويض السلوك وتغذية للعقل، ومن خلالها تتم المحافظة على الدين والهوية والمبادئ السامية فهي السياج المنيع تجاه غزو أي فكردخيل أو منحرف. وتؤمن بأن الثورة الحسينية ثروة فكرية وحضارية منبثقة أصالتها من القرآن الكريم والسيرة النبوية لما تمتلكه من خصوصيات كفيلة بأن تشبع النفوس وتنير العقول بالبصائر والرؤى السليمة تروى عبرها الأجيال.. لكن متى؟ إن أحسن المجتمع تنظيم هذه المجالس والإستفادة منها.
يقول الكاتب الألماني مارتن «على أن هذه المنابر تعد من أهم الأسباب لتقدم المسلمين إن هم أحسنوا تنظيمها والإستفادة منها لأن رسالة الحسين جزء لايتجزأ من رسالة الإسلام فهي تمثل كفاحه ونضاله ضد الطغاة ووقوفه إلى جانب المظلومين والمضطهدين والمحرومين»[6] .
ياترى ماهية سبل التغيير التي طرأت على المجالس الحسينية النسائية؟ وهل حققت أهدافها؟ وهل أشبعت حاجة النساء مع ما يتزامن من متغيرات عالمية وتحديات مستقبلية؟ وهل صحيح ما يظنه البعض حول تقلص دور المنبر وأنه شارف على الإحتضار؟ وإلى أي مستوى وصلت له هذه المجالس وماهي العقبات التي تواجه مسيرتها؟
نتجول معا عبر هذا الإستطلاع لنستقرء عبره الكثير مما طرأ على المجلس الحسيني النسائي من تحولات..
إنطلاقة المنبر وتطور الخطابة:
تروي ام عزيز المحاسنة – قارئة وصاحبة مجلس حسيني – القطيف – معاناتها في تحويل المجلس إلى منبر ثقافي يتناول قضية عاشوراء بكل تفاصيلها لأنها لاتستطيع بسبب رغبة الجمهور من المستمعات، فتقول: المنبر الحسيني الثقافي لاغنى عنه ولو بالنذراليسير من الفائدة، وإن إلقاء المحاضرات لايلاقي صدى في كل المجالس وخاصة عند – كبار االسن – بسبب الثقافة المتدنية في المجتمع لاسيما بين صفوف الأمهات، ولذلك لم تصل أهداف الثورة الحسينية بالشكل الصحيح إلى أذهانهن، وإنني أؤمن بأهمية بث الوعي الديني للجمهور المواظب على حضور المجلس وإن حاجتهن للمحاضرات ماسة وضرورية، ولكن يكفيني أن أشدهم إلى الإرتباط بشخصية الإمام الحسين والتعاطف مع مأساته.
وتعلق أم حكيم اليوسف – قارئة وتدير مجلس حسيني – صفوى – قائلة: يعجبنا الإبقاء والحفاظ على الإسلوب التقليدي في عرض القراءة الحسيينية منذ أكثر من 60 عاما، فالأكثرية لا يرغبن في المحاضرات بقدر ما تستهويهن العاطفة والبكاء، لكن لايعني ذلك أننا أهملنا الجانب التثقيفي، فالمجلس مجهز بالمكبرات الصوتية التي تنقل محاضرات العلماء مباشرة بعد إنتهائنا من المجلس، إضافة إلى التجديد المستمر في الشعارات الحسينية وفي الروايات والقصائد الشعرية، واللطميات وحتى طريقة العرض والآداء ولاتجهل القارئة توجيه المستمعات من خلال سردها للسيرة.
وتضيف شريفة علي عدنان أم مصطفى – قارئة حسينية – تاروت – بأن الجمع عادة في المجلس الحسيني يطلبن التعزية وسماع المصيبة للبكاء أكثر من المحاضرة بدافع أن النساء شبعت من المحاضرات بالذات ماتعرضه القنوات التلفزيونية الجديدة،فتأتي بعض النسوة ويطلبن البكاء فقط، ورغم ذلك تعلمت الخطابة وبدأت أسلط الضوء على بعض الأحداث الإجتماعية، وبعض الإنحرافات السلوكية التي إكتشفت بعدها أن الحضور بدأ يزداد ويتنوع لذلك أنصح كل قارئة تمتلك الصوت والجرأة وحب الحسين أن لاتتردد في توجيه الناس.
وتشاركها الرأي إفتخار محمد مسيري أم محمد – تاروت – التي تعلمت الخطابة من خلال تلخيصها لبعض المواضيع التي تقرأها في الكتب وتعرضها للنساء وسط المجلس، وتقول: لم أشعر أنني خطيبة جماهيرية إلا بعد إن سعيت للتطوير في المجلس، فسابقا لايوجد حضور شبابي وبعد التغيير عن الإسلوب التقليدي للمجلس لاحظت الإقبال من المعلمات والجامعيات وطالبات الثانوية، مما جعلني أضاعف التركيز على الموعظة في القراءة ويمكن إستلهام الكثير من مصيبة الحسين في التربية والأسرة والإخوة، ثم يتم التركيز على قيم آل بيت رسول الله وعرض ملحمة كربلاء.
وتبدي زهرة عباس – معلمة ومشرفة إدارية – لمجلس حسيني يضم 1000- 1500 سيدة أيام المحرم – صفوى – حجم إستعدادهم لإستقبال هذا الجمع وطريقة إعداد البرامج المناسبة قائلة: نبدأ بجلسات تحضيرية مسبقة تبدأ من شهر رمضان الكريم لوضع خطة عمل هذا الموسم الثقافي، فنعد عناوين المحاضرات، والمواقف التمثيلية، وتدارس مواقف واقعة كربلاء لإبراز الفكرة وبلورتها وصياغتها لتصل للجمهور بطريقة مبتكرة بعيدة عن الروتين، ثم يتم إختيار الخطيبات المناسبات لإعداد المواضيع.
وتضيف إن أكثر المواضيع المطروحة مقترحة من الجمهور، فهو ساهم معنا بشكل كبير فإننا عادة ما نقوم بعمل إستبيان يوزع نهاية الموسم على غالبية السيدات لوضع الملاحظات على أثرها نعقد جلسة تقييم لهذ الإستبيانات والإستفادة منها، حتى أننا عملنا على تلبية رغبة الجماهير في تنوع المواضيع وفي تعدد الخطيبات دون أن يحدد المجلس بخطيبة واحدة.
وتذكر نجيبة السيد المعروفة بأم حسنين – روائية وخطيبة – سيهات – قبل عشرين سنة بدأ المنبر الحسيني النسائي يتملل وينفض عنه غبار الإنغلاق، حيث بادرت الخطيبات من خريجات الحوزات إلى إرتقاء المنبر بخلفية ثقافية عميقة ومتنورة، ناقشت عبرها مختلف مشاكل المجتمع وثقافته بإسلوب شيق قادر على الثبات بل أكثر من ذلك، فالمنبر الحسيني النسائي سعى إلى تجاوز الخطاب التقليدي الذي درج عليه في السابق، وأقول أن المنبر مر بفترة ذهبية إن صح التعبير ولا يزال محافظا على آداءه ودوره، وعليه فأنا على ثقة أن المنبر الحسيني النسائي اليوم قادر على تطوير آداءه أكثر فأكثر خصوصا وأن الحوزات النسائية في منطقتنا أولت الخطابة إهتماما شديدا ووضعت لها منهجية جديدة، وإقبال الجانب النسوي على تعلم الخطابة إقبال عجيب يدل على أن الفترة القادمة ستكون مضيئة، ولكي يكون المنبر أكثر عصرية المطلوب من الخطيبة أن تواكب بثقافتها المستجدات على الساحة أولا بأول، وتزود نفسها بالمهارات اللازمة التي من شأنها تقوي دورها وتعمق تأثيرها، وهذه مهمة ليست مستحيلة ولا عزيزة على الإمكان، فالتجارب أثبتت أن الخطيبة الحسينية إذا أبدعت في دورها فإنها ترتقي المنبر إرتقاءا جميلا خصوصا وهي تناقش قضايا المرأة والأسرة من زوايا لايتمكن منها الرجال.
المسرح..
بات القائمون على هذه المجالس يستخدون كل ألوان وفنون التأثير من مسرح ودراما وإنشاد وأدب، والعمل على تجسيد كل ما يستجد في الساحة الإسلامية بمواقف تمثيلية مؤثرة هي أقرب إلى الفنتازيا.
تقول نبيلة السادة – معلمة – ورائدة المسرح الديني منذ 25 سنة في مدينة – صفوى – تقول كان للمجالس الحسينية النسائية دور كبير في إيصال قصة الإمام الحسين بحقيقتها إلى الأجيال، وهذه القصة أوصلتها لنا جداتنا وأمهاتنا عبر مجالسهم النسوية على مر السنين، ومع السنوات الأخيرة إصطدمت بجيل مثقف واعد لايريد من القضية الحسينية الكم العاطفي بقدر مايريد منها الكم التوعوي والفلسفي لكل حركة ولكل موقف من مواقف شخصيات تلك الملحمة الكربلائية وعلى رأسها شخصية الإمام الحسين .
لذلك رأينا لزاما علينا كلجنة دينية مهتمة أن نعزز قضية الحسين في ثوب وشكل مغاير يتلائم مع إدراك الجيل الجديد، فالجيل أصبح يرفض البكاء فقط بقدر ما يريد أن يفهم ويعيي، فلم نجد أفضل من إبراز بعض جوانب معركة كربلاء على منصة بسيطة وضعت وسط المجلس، وذلك عن طريق تقمص بعض النسوة والفتيات لشخصيات موقعة الطف وملحمة كربلاء.
ففي البدء كنا نمثل المأساة الحسينية كما هي واردة في بطون الكتب القديمة بكل أبعادها، إلا أننا مع الزمن أخذنا نلقح بعض الروايات حيث نسقط منها بعض الأحداث المبالغ فيها، أو تلك التي لاتقترب من الحقيقة والواقع، وذلك عن طريق القراءة والبحث في الكتب التاريخية وكتب المراجع والعلماء التي تمس هذا الموضوع. فرأينا تفاعل الناس مع التمثيل المسرحي بشكل كبير جدا وحضور النساء يتجاوز المئات، وأصبح المسرح أحد القنوات المهمة التي تساهم في نشر الوعي الديني عن طريق الإقتباس من سيرة أهل البيت والإقتداء بهم والسير على نهجهم المبني على الإحترام وحب الآخرين، إضافة إلى تصحيح الأفكار العالقة في الأذهان بفعل الأعراف الإجتماعية القديمة، والموروثات الثقافية الخاطئة السائدة في المجتمع آنذاك وما تحمل في طياتها من سلبيات شأنها شأن بقية الأعراف في أي مجتمع ما.
ولم يقتصر المسرح الحسيني على عرض المأساة الحسينية وسيرة أهل البيت فقط، بل تعداها إلى بعض المسرحيات والمواقف الإجتماعية والكوميدية – الناقدة – والتي تعرض الكثير من المشاكل الإجتماعية كإنحراف الشباب والشابات، والممارسات الخاطئة التي تصدر من بعض النساء في السفر وفي الحج وفي الأسواق والمدارس، والمجالس النسائية، ومظاهر الإسراف وفي الأعراس والتدخين وغير ذلك.
ثم نختم تلك المشاكل بعرض حلول مناسبة لها مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأقوال الأئمة الهداة بقصد المساهمة في رفع المستوى الفكري للجيل القادم، والعمل على إيصاله للمستوى اللأئق به كمجتمع مؤمن ومسلم.
وتشير حنان الحي – جامعية ومشرفة على مسرح الطفل الحسيني المنبثق من لجنة بصائر الأمل – صفوى – إلى أهمية إحياء ذكرى الحسين كشعيرة، قائلة: لقد عملنا بجد من أجل التطوير في إسلوب الطرح الخاص بالمصيبة الحسينية، والتركيز على الرسالة التي وجهها الإمام الحسين للأمة، وربط الواقع المعاش بالقضية الخالدة بهدف إيجاد نوع من التفاعل بين كربلاء والأحداث المعاصرة.
فالفئة التي تحضر المجالس اليوم هي من الشابات الواعيات والمثقفات جيل منفتح على العالم، يجب أن نضع هذا الأمر في الحسبان فالتطوير في العرض والطرح أمر ضروري، وإستخدام العرض المرئي والمسموع يحدث نوعا من التفاعل الكبير للمتلقي كإستخدام الفنون المسرحية والمداخلات الصوتية لها أكبر الأثر في زيادة رغبة المستمع لحضور مثل هذه المجالس، ودرجت لجنة بصائر الأمل على إحياء مناسبة عاشوراء مما دفعها لتبني أوبريت المسرح الحسيني على مستوى الأطفال من عمر 5-12 سنة والذي يقام للسنة الرابعة على التوالي بهدف غرس الروح الحسينية في أعماق أبنائنا الصغار وإيصال صوت الحسين ورسالته إليهم.
وتوضح منيرة – طالبة جامعية – أهمية إستفادتها كممثلة على المسرح الحسيني وما أضافه لها قائلة: علمني الجرأة والثقة بالنفس في ملاقات الجمهور الذي يتجاوز عددهم فوق الألف سيدة، كما تعلمت كيف أوظف قدراتي ومهاراتي في إيصال الفكرة والتفنن في الطرح، وجعلني أعيش الواقعة الحسينية بكل صفائها.
وتضيف لاأنسى تجسيد كل كلمة حق أتفوه بها وأعبر عنها على حياتي، تعلمت كيف أحافظ على الصلاة في وقتها وكيف أحسن التعامل مع اللآخرين.
وتؤكد زكية الزين – معلمة وناشطة على المسرح الحسيني – منذ 20 عاما – صفوى – أن المسرح سهل الوصول لقضية الإمام الحسين بصورة أشمل وأسرع، فمجرد الدخول في خدمة الإمام الحسين هذا بحد ذاته شيئ كبير نحو هدف سامي ونبيل وأنا من خلال المجلس الحسيني وما ألزمت به نفسي على المسرح شرفني ذلك كثيرا بأن أكون سفيرة للحسين أنشر فكره وأهداف رسالته يوم عاشوراء، ويكفينا فخرا كشيعة وموالين مانراه هذه الأيام ونعيشه من مظاهر عاشورائية لم نعهدها من قبل وكأن روح جديدة ولدت إنبعاثا جديدا في حركة المجتمع.
الصورة والمؤثرات الصوتية والضوئية.. أحدث تقنية في التأثير:
جرت سنة الحياة أن الصغير يكبر والكبير يهرم فتهرم معه الحواس، وبالنسبة لقارئات المنبر اللاتي عرفتهم المجالس وهم في أوج قوتهن، فقد إستنزفت طاقتهن على مدى الأيام وضعفت أصواتهن مما جعل أهمية لإستخدام التقنية بدأ من الميكرفون وإنتهاءا بالفيدوكليب والمؤثرات الصوتية، ومع وجود جيل جديد من الشابات المؤهلات في إدارة المجالس النسائية إلا أنه ومع ذلك لازال غالبية النسوة يبحثن عن صاحبة الصوت الجميل ومن لها القدرة على إستدراج العواطف بصورة أكبر.
تعلق أفراح الحي – كاتبة نصوص مسرحية ومشرفة برنامج حسيني – قائلة: يجب أن نواكب العصر ونتفهم مطالب الجيل الجديد ونلبي رغبته، فإمهاتنا يشدهم الصوت الجميل والقارئة المتمكنة والمحافظة على الطور القديم في عرض المصيبة الحسينية، وبناتنا اليوم يرغبون في التحديث على مستوى المحاضرات وطريقة العرض والتغيير في أطوار القراءة لذلك تجدين كل فتاة معجبة بمجموعة من الرواديد والشعراء أمثال باسم الكربلائي وحسين الأكرف ونزار القطري وغيرهم، وهذا يخلق تصادم وتحسس فالشابات يبدين مشاركاتهن في المجلس لما يتمتعن به من طاقات ومواهب وأصوات قوية وجميلة، والقارئات من الأمهات ينزعجن من ذلك، إبتسمت مازحة لاتكتبي كلامي – أخاف يقطعوا المجلس – وأضافت إننا تغلبنا على هذه المشكلة عندما أدخلنا البروجكتر والمؤثرات الصوتية والضوئية التي تحاكي المشاعر وتدغدغ العواطف، وقمنا بالتنويع في البرامج إرضاءا للجميع.
التخصص مطلوب:
تعتبرالقضية الحسينية عند الشيعة ثورة وثروة فهي تشمل بروافدها الجميع الرجل والمرأة، الشاب والشيخ الكبير، الفتاة والطفل الصغير، فهي تثري عقولهم بالوعي وتغرس في نفوسهم قيم الفضيلة..
توضح نعيمة الحمدان – تربوية ومسؤولة المدرسة الحسينية في صفوى – أهمية دور المدرسة الحسينية كثمرة من ثمرات التغيير التي طرأت على المجلس الحسيني النسائي حيث تم تأسيسها قبل 6 سنوات، وتركزإهتمامها بالمرحلة العمرية من 5- 16 فأهم أهدافها الحاجة الماسة إلى ترسيخ المبادئ والقيم التربوية والأخلاق الحسينية المحمدية في الجيل الناشئ قائلة: إن قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيئ إلا قبلته – وفتياتنا بحاجة إلى الإسلوب الهادئ والبسيط والتعامل معهم على قدر إستيعابهم للأمور، وعلك ترين هذا العدد الكبير الذي بدأ ب100 طالبة ويصل اليوم إلى 600 فتاة نلحق المتخرجات منهم إلى المجلس الحسيني الكبير، فنحن هنا نباشر عملية التأسيس وغرس المفاهيم عن طريق مانعد من برامج منوعة في المسرح، ودورات التدريب على الإلقاء والإنشاد وتأليف الشعر وإعداد المسابقات الأخلاقية في الصلاة، وفي قصص الأنبياء وفي الإيثار والصدق والتعاون وتجنب آفات اللسان.
إضافة إلى المرسم الحسيني الخاص بالفتيات والنشرات الثقافية من إعدادهن، كل ذلك يحفز هممنا ويدفعنا نحو الإستمرار.
أهم المشاكل والعقبات:
أعربت الغالبية من السيدات القائمات على إدارة هذه المجالس إضافة إلى الخطيبات والمهتمات بهذا الشأن بأن هناك مشاكل يصعب على الجميع تجاوزها إلا بالتعاون مع المؤسسات الدينية وعلى رأسها الحوزات والجهات المهتمة وهي كالتالي:
1- قلة الكاتبات للمسرح، مما يجعل الإسلوب واحدا لايتغير مهما صاحبه من إبداع، والجمهوريحتاج إلى التجديد دائما حتى لوساهم بدعم الأفكار.
2- العمل على إعداد نخبة واسعة من الخطيبات المؤهلات وتوزيعهم على مختلف المجالس في المدن والقرى.
3- ضرورة التدريب والتأهيل والإعداد لبناء نخبة واسعة من الخطيبات وتوزيعها على مختلف المجالس في المدن والقرى للتوعية النساء، فهناك قصورواضح وملحوظ.
4- تربية جيل واعي يساهم في إدارة وتشكيل ودعم ومساندة المجالس النسائية بشكل متواصل ومستمر.
5- الحاجة إلى إيجاد وتوفير مجالس كبيرة وواسعة تضم أكبر عدد ممكن من النساء، والإستغناء عن المجالس التي تفتقد إلى أدني وسيلة للأمن والسلامة والإمكانات.
6- الإعداد الجيد والتحضير المسبق للمواضيع الخطابية التي تمتلك القدرة على إستيعاب وتوجيه المجتمع وترتقي بمستوى الجمهور.
7- العمل على جمع وتدوين النصوص المكتوبة والروايات المنقحة، وتصحيح بعضها، وعرضها على مؤرخين ومفكرين وعلماء من أهل الخبرة، وذلك لتلافي الروايات والكتب الذي تحمل أفكار ونصوص عارية من الصحة وخالية من المبالغات.
أخيرا:
إن ما تعيشه المجالس الحسينية النسائية اليوم من وعي فكري وثقافي ومعرفي لنساء الشيعة خاصة هو أحد مكتسبات المنبر الحسيني الذي تنامى في نفوسنا وترعرعنا معه بخطواتنا على مدى التاريخ، فرسم خطواتنا نحو المستقبل، وقد كان دورا بارزا وملموسا سطرته الخطيبات والداعيات -الحوزويات – في المنطقة يشكرن عليه، لما قاموا به من جهود كبيرة وبناءة للوصول بهذا الجيل إلى مانحن عليه، فالمطلوب منهن المثابرة والعمل بجد على تحسين المستوى وتنمية القدرات بما يتناسب مع حجم التحديات..
كل ذلك يدفعني للتساؤل أما آن الآوان بعد لأن تتحول هذه الجهود العظيمة إلى مؤسسات إجتماعية تجمع الطاقات والكفاءات ويلتف حولها الجميع؟ أجيبوني ولكم مني كل تقدير.