لطفا… لا تتدخلوا في السياسة
25 مارس 2006 - أ . عالية فريدلطفا… لا تتدخلوا في السياسة
لا يوجد ادنى شك في أن ما يقوم به رجال الهيئة من جهد يعتبر واجبا دينيا ووطنيا وعملا أمنيا يشكرون عليه، وليس هناك من ينكر دور التقويم والتعديل والإصلاح الذي حملته هذه المؤسسة على عاتقها في محاربة الفساد والإنحراف، لكن المشكلة تكمن في حاجة هذه الهيئة إلى إصلاح، فهي تأتي على رأس كل الإصلاحات لأنها تمثل الإطار الديني والواجهة شالحضارية للبلاد، فكثيرة هي الخروقات والتجاوزات التي يمارسها رجال الهيئة بحق الناس، فكم من شخص أهانوه وكم من حق إخترقوه والعين اليقظة والساهرة على أمن هذا المجتمع مشغولة عنهم؟ فبدل أن يعززوا مواقعهم إجتماعيا ويفتحوا أبواب الدعوة والأمر بالمعروف نحو الخير والفضيلة في قلوب الناس، بدأوو يتجاوزون حدودهم ويتصرفون بسلوكيات بعيدة عن واقع عملهم ووظيفتهم لايقبل بها شرع أو يعقلها ضمير.وكم هو محزن للنفس وكم هو مؤسف أن تتحول القضايا الإنسانية والحقوق الشخصية التي جرتها سياسات خاطئة لأفراد أو جماعات يحرصون على مناصبهم وتضخيم أرصدتهم المالية والإجتماعية إلى ميدان تصفية حسابات!!
الكرامة الإنسانية كما هو معروف هي أغلى مقومات الحياة، وإذا إفتقدها صاحبها أصبح لافرق بينه وبين بقية الأنعام و«الدين المعاملة» أسمى رسالة إنسانية وجهها رسول البشرية محمد للناس كافة، دون أن يحدد أو يضع تمايزا أو فروقات دينية أو عرقية أوطائفية لأحد دون آخر، والبشر سواسية كأسنان المشط وميزان التعامل في الحياة قائما على مبدأ الإنسانية وإحترام الإنسان لأخيه الإنسان والحفاظ على كرامته، وقد أكد القرآن الكريم على هذا المبدأ في قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾[1] ، وقد ورد عن رسول الله «ماشيئ أكرم على الله من ابن آدم»[2] ، فالإنسان محترم عند الله لإنسانيته لا يحق إهانته أو ظلمه أو جرح كرامته حتى لوكان كافرا فكيف بالمسلم المؤمن السوي، و«المسلم من سلم الناس من لسانه ويده» كما علمنا رسول الله ، فالى متى تستمر معاناة المواطن وهو يرى كيف تسحق كرامته لأتفه الأمور والأسباب وتحصى عليه أنفاسه ويحاسب على آرائه وأفكاره ومعتقداته، وفوق كل ذلك تنتهك خصوصيتة الشخصية بدون حسيب أورقيب؟ ومن المسؤول الحقيقي عن الأمن وتحقيقه وحمايته وكيف يجرؤ البعض ممن تسول له نفسه بالعبث والفوضى بأمن وإستقرار المجتمع؟
أنقل لكم بعض الصور التي يتعامل بها بعض رجال الهيئة ويعيشها الإنسان في هذا المجتمع تنم وجود إنتهاكات تمس بكرامته وتحط من قيمته في سوء المعاملة وعدم الإحترام، وللأسف تصدر نتيجة لممارسات خاطئة من بعض المسؤولين والموظفين المحسوبين على الدولة، حيث يستغل هؤلاء مواقعهم ومناصبهم المهنية والوظيفية في وقوع الكثير من الإنتهاكات والإعتداء على مصالح الناس بعيدا عن عيون الرقابة والمحاسبة.
• تم إيقاف مواطن كان ذاهبا برفقة خالته إلى المستشفى لزيارة والدته المريضة وتعرض في طريقه للإهانة والمسائلة والتعنيف الشديد، وتم إستجواب الخالة عن الإثبات والدليل.
• مواطن يعود مع زوجته بعد قضاء امسية في منزل إبنتهما المتزوجة حديثا، وفي طريقهم لمنزلهم الذي يبعد بضع كيلوات يوقفهم رجال الهيئة ويتم التحقيق معهم ليس عن الهوية وإنما عن وثيقة الزواج ولتعذر وجودها تم أمر الزوج بالترجل عن سيارته وإدخاله في دوامة من التساؤلات، وبعد خوف الزوجة أخذت تتوسل بهم برحمة والديكم أنا مثل أمكم ولي أربعة أبناء متزوجين أراودهم بين الحين والآخر وأتفقد أحوالهم مع والدهم فلماذا تعرضونا إلى هذه البهدلة، تفضلوا معنا للمنزل ونطلعكم على ما تريدوه، تقول رأفوا بحالي لكن تفاجأت للتو لم أصل إلى البيت بعد وإلا سيارة الهيئة والدوريات على باب منزلنا، فأخرج لهم زوجي بطاقة الإثبات وعقد الزواج إضافة إلى بقية أولادي وقال لهم إذا لم يكفي هؤلاء فالجدة والجد لازالا في المنزل!! كم كانت ليلة مزعجة ياترى ماذا سيقول عنا الجيران أو المارة في الشارع؟
• مواطن يخرج مع والدته وأفراد عائلته ظهيرة يوم الجمعة إلى النزهة والإستمتاع وتناول وجبة الغذاء على أحد الشواطئ وماهي إلا هنيئات وتهجم عليهم سيارة الهيئة وتأمرهم بالرحيل عن الموقع لأنهم رأوو «نارجيلة الأم وهي تدخن» بحجة كل شي إعملوه في منازلكم، تقول الأم خفت على ولدي ولملمنا أمتعتنا وأنا أقول حسبي الله ونعم الوكيل.
• مواطنة تعود برفقة صديقاتها من الجامعة بعد قضاء وقت طويل ومنهك في المحاضرات، أنهكهما الجوع وإتفقت مع زميلاتها بتناول وجبة الغذاء سوية على الطريق، تقول نزلنا إلى أحد مطاعم الوجبات السريعة وباشرنا طلبنا من النادل ماهي إلا دقائق ونتفاجأ بمجموعة من الرجال الملتحين بإسم – الهيئة – لم يهنأ لهم بال إلا بعد مضايقتنا وإخراجنا من المطعم بحجة درء المفاسد والتعرض للفتنة، تقول خرجنا ونحن منزعجات من إسلوبهم وطريقة تعاملهم معنا.
• مواطنة تملك مشغل وصالون تجميل للسيدات خرجت مع زوجها برفقة مجموعة من العاملات – هو كفيلهن – لشراء بعض المستلزمات الخاصة من السوق، تقول إنتهينا من الشراء ورجع قسم منا إلى السيارة وبقيت أنا وإحدى العاملات نستكمل بقية اللوازم من المحل، تقول زوجي اخذ يسأل العاملات عن سبب تأخرنا وفي الأثناء هجم عليه إثنان من رجال الهيئة وشدوه من ثوبه وإنهالوا عليه سبا وشتما لماذا تكلم هؤلاء الأجنبيات؟ وماهي علاقتك بهم؟ ألا تعلم أن ذلك حرام وعيب؟ تقول الزوجة تعجبت من المنظر والناس قد تجمعت فتدخلت لأنقذ الموقف، ياهذا إنه زوجي والعاملات هو كفيلهن والمسؤول عنهن؟ قالوا وماهو الإثبات ودخلنا في شد وجذب حتى أنهم لم يعطوا أنفسهم فرصة بالإستماع إليه وهم ينهالون عليه بالشتم، ولم يخلصه من يدهم إلا بعد إن صرخ فيهم ماهذا التخلف؟ في أي عالم أنتم تعيشون، الملك عبدالله – حفظه الله – يلتقي مع كوندا ليزا رايس – وزيرة خارجية أمريكا وأمام الملأ في التلفاز، وأنا أتكلم مع العاملات عن بعد فهل في هذا حرام؟ صرخ أحدهم في وجهي إخرس ولا تتكلم مافي داعي تتدخل في السياسة.
• مواطن يتم القبض عليه بمجرد وقوفه لزيارة أئمة البقيع في المدينة المنورة والحصول بحوزته على مجموعة من الأذكار وكتب الأدعية يتعرض للتوقيف والمسائلة ويحكم عليه بالجلد ويصبح مصيره التجوال بين مراكز الشرطة وقاعات المحاكم بدون أي جرم يذكر، يقول لقد تعبت وتهت في دوامة من الإستدعاءات التي لم تنتهي كل ذلك على حساب وقتي ومحاضراتي في الجامعة غير ما أتعرض له من أذى نفسى وفكري وجسدي حتى أرائي ومعتقداتي لم تسلم ولا أعلم متى النهاية وماهو الجرم الذي وقع علي.
هذا جزء من كل لبعض الإنتهاكات التي يمارسها البعض ممن ينتمون للهيئة أو يحسبون أنفسهم على المؤسسة الدينية والناس على نياتهم – مع إحترامي – قسم كبير منهم بسطاء يقع عليهم الظلم ويقبلون به دون تشكي، وإن تقدموا بالشكوى فمن المجيب؟ فالشكوى لغير الله مذلة.
إذن لابد العمل على مايلي:
1- إيجاد وصياغة قوانين جديدة تضمن الحق للطرفين بإيجاد مؤسسة رقابية وجهاز محاسبة لمعاقبة المسيئ ومسائلة المقصر وهذه مسوؤلية جسيمة لابد أن تهتم بها وسائل الإعلام ومجلس الشورى وديوان المظالم والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وجميع الجهات المعنية في الدولة.
2- قاعدة درء المفاسد وسد الذرائع للأسف الشديد مقدمة عند البعض على قاعدة جلب المصالح ولا ضرر ولا ضرار، وهي وسيلة تستخدم للتذرع والإيغال في ممارسة الإساءة والظلم تجاه الآخرين وتجاه إهانة كرامة الناس، ومن الخطأ أن نعتقد أن إصلاح الناس يأتي بالمظالم حتى لو كان بعضهم مخطئيين، فالبحث دائما عن العقاب مع تعذر أساليب التوجيه وأساليب الوقاية مشكلة كبيرة وخطيرة درج عليها البعض وإنطبعت في كثير من اذهانهم نتيجة للمفاهيم التربوية والسلوكية التي تربوا عليها وعايشوها، وهذه ظاهرة قد نلحظها في بعض مناهجنا التربوية والتعليمية وفي كثير من مؤسساتنا المجتمعية، مما يؤدي إلى إنعدام الثقة وسوء الظن ومعاملة الآخرين كلصوص ومجرمين ومذنبين يتعامل كل فرد مع الآخر بريبة وشك وهواجس ليس لها معنى، لذلك حري جدا بالعلماء المتنورين وبمثقفين الأمة ومفكريها معالجة الأمر قبل إستفحاله ففيه خطر كبير على مستقبل الأبناء والأجيال القادمة في حال إهماله.
3- المجتمع يمر بمتغيرات عديدة ثقافية وإجتماعية وإقتصادية، مما يحتم على المجتمعات أن تتغير في مؤسساتها وأنظمتها ومناهجها وأن لاتبقى هياكل جامدة بل شبه محنطة، وعلى العاملين في المؤسسة الدينية وموظفيها إستيعاب هذه المرحلة ومتطلباتها، وأن يسعوا جاهدين لتحسين وسائلهم وأساليبهم وثقافتهم وسلوكهم بالرقي في المعاملة والتعامل الحضاري مع قيم الدين وأهدافه ومقاصده التي تدعوا للتسامح وثقافة الحوار والتعايش وتحقيق السلم الإجتماعي على كافة المستويات والأصعدة، وأن يرتقوا بمستوى الأداء والتميز لإعطاء صورة حسنة فهم سفراء بلادهم من خلال تطوير معاملتهم مع الآخرين ولتعزيز حالة الأمن للمواطن وحفظ حقوقه وكرامته.
5- الوعي بثقافة حقوق الإنسان للحفاظ على الكرامة، فحقوق الإنسان ليست نظريات ترفع أوشعارات يتغنى بها، بل هي قوانين تحمل نصا وروحا وأصلها وسبب وضعها حماية البشر، وحفظ حقوق الناس والحماية لا تأتي بمس الكرامة.
وقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة (3) بأن «لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الآمان على شخصه». وفي الوقت ذاته دعمتها الإلتزامات الناشئة عن المعاهدات الدولية ولجان ومصادر القانون الدولي التي تدفع بالتقدم والرقي الإجتماعي قدما، وقد وضعت المواثيق الدولية نصوصا قانونية لتضفي على هذه الحقوق حماية دولية لهذا وصف هذا الحق بالطبيعي والأساسي الذي لايمكن التنازل عنه.
هذا ما يجب أن يعيه كل مواطن حر وشريف داعما للسياسة الإصلاحية الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله – حفظه الله – التي لازالت كلمته ناقوسا يدق في أذهان المواطنين حين مبايعته في تعزيز سياسة الحوار ونهج الإصلاح الذي تبناه بـ «أن يكون شغله الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين بلا تفرقة»، وتعهده بـ«إتخاذ القرآن الكريم دستورا والإسلام منهجا»، فلندعم بدورنا هذه السياسة.
أخيرا: المجتمع السعودي مجتمع ملتزم ينشد الفضيلة والأخلاق بجانب التقدم والتطور ويسعى للإرتقاء بهذه القيم ولاكن بدون خوف أو إرهاب أو رعب بل بالثقافة والقناعة التي يتربى عليها الأبناء وليس بالتعدي على خصوصيات الناس وحرياتهم الشخصية حينها نكون في صف المتقدمين ولكم التعليق.
[1] سورة الإسراء أية 70.
[2] المتقي الهندي كنز العمال حديث رقم 34621.