الأمة الإسلامية فوجئت باستفتاء يتزامن مع حوار أتباع الديانات
14 ديسمبر 2009 - جريدة اليوممنظمة “المؤتمر» تستنكر حظر المآذن في سويسرا وتدين أحزابها المتطرفة :
الأمة الإسلامية فوجئت باستفتاء يتزامن مع حوار أتباع الديانات
واس ـ مكة المكرمة
استنكر مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي قضية المطالبة بحظر المآذن في الاتحاد السويسري وطرحها للتصويت والاستفتاء العام من الشعب السويسري . وأدانت أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة في بيان أصدرته أمس مطالب الأحزاب المتطرفة بحظر المآذن في الاتحاد السويسري مشيرة الى أنها تابعت بقلق بالغ واستهجان شديد، بناء على ضغوط ومتابعة من بعض الأحزاب المتطرفة هناك . وأكدت الامانة أن الأمة الإسلامية قد فوجئت بطرح موضوع منع بناء المآذن للاستفتاء على الشعب السويسري، وبالنتائج التي أسفرت عنه، وازدادت دهشتها أن صدر هذا في وقت تتضافر فيه الجهود بين الأمم والحضارات لمد جسور التعاون والحوار من أجل التعايش السلمي فيما بينها، وقد قطعت العديد من الدول والهيئات الإسلامية وعلماء الإسلام أشواطا كبيرة في تبيين سماحة الإسلام، وفي عرض أسسه ومبادئه العظيمة في التعايش السلمي والانفتاح على الآخر عبر مؤتمرات الحوار بين الحضارات وأتباع الأديان والثقافات ، والتي عقدت في دول أوروبية عدة ، ومنها الاتحاد السويسري نفسه ، والتي تم أحدها قبل بضعة أشهر برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود . وأشار البيان إلى أن واقع التعايش السلمي الذي يعد مطلباً ملحاً في هذا العصر لم يكن بدعا في العلاقات الدولية الإنسانية وبرز بعد التوقيع على المعاهدات والمواثيق الدولية التي صيغت تحت مظلة الأمم المتحدة، بل إن شريعة الإسلام الخالدة التي حملها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قبل خمسة عشر قرناً قد وضعت مبادئ عظيمة وأحكاما متميزة للتعايش السلمي بين البشر جميعاً ومبنية على قواعد عقدية وقائمة على جذور إيمانية عميقة راسخة فأقرت بمساواة البشر في المعنى الإنساني وأزالت من بينهم الفوارق العرقية والمادية واعتبرت الخلق كلهم خلق الله وأنهم من أصل واحد ، والعلاقة بينهم تبنى على التعارف والمحبة والتعاون والسلم ، قال تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ «، وقال سبحانه «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ» ، وقال جل شأنه «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» وقد كان ذلك أساساً لنظام متميز في العلاقات الدولية في أوقات السلم والحرب . وأضاف البيان أن حرص المسلمين على التعايش السلمي والتعامل الإيجابي مع الأديان والثقافات والحضارات والشعوب الأخرى، قد ضربوا أروع الأمثلة في الإحسان والبر والعدالة مع غيرهم من الأمم والشعوب التي عاشت في ظل الدولة الإسلامية أو تعاملت معها . وبينت الأمانة العامة في بيانها ان الوجود الإسلامي اليوم على كثرته وسعة انتشاره في كل بقاع العالم يحرص فيه المسلمون على حُسن التعايش والاندماج الإيجابي، الذي يقوم على التعاون البناء والمشاركة الفاعلة من أجل استقرار وتقدم المجتمعات التي يعيشون فيها ، التزاماً بهدي القرآن الكريم والسنة المطهرة واقتداء بالسلف الصالح. وأكدت أمانة المجمع بشدة على ضرورة الالتزام بمنع طرح مثل هذه الموضوعات للاستفتاء والتصويت ومحاولات المنع والإلغاء ، لتنتظر من المسئولين في الاتحاد السويسري أن يعملوا على سلوك كل طريق يؤدي إلى عدم الاعتداد بنتائج ما جرى من استفتاء . وأشار البيان إلى أنه في حظر بناء المآذن مساس بالحقوق الأساسية والدينية للمواطن السويسري المسلم ومصادرة لها ، وفيه زرع للكراهية ضده ، والحيلولة بينه وبين اندماجه الإيجابي في المجتمع السويسري . ولفت البيان إلى ان التعايش السلمي لا يتحقق بين دول العالم وشعوبه إلا باحترام التنوع الديني والثقافي، وإن معاداة ثقافة أية أمة ومحاولة طمس معالمها أو تذويب هويتها أو الإساءة إلى معتقداتها أو النيل من مقدساتها تثير الفتن وتزعزع الثقة وتصيب العلاقات والتعايش السلمي بين الأمم بالسوء ، وتنذر بالصدام ، فالناس في عالم اليوم لم يعودوا يقبلون بثقافة استبعاد الآخر، خصوصا بعد أن وقعت الدول والأمم الوثائق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، وأوجدت لحراستها وحماية تطبيقها المنظمات والهيئات . فيجب أن تسكت الأصوات التي تطالب بمزيد من إشعال نار الفتنة ، وهي الأصوات التي باتت تعلو هنا وهناك في أوروبا تطالب بحظر النقاب والمدافن الإسلامية بل وبناء المساجد ، وتهزأ وتسخر من شعائر الإسلام ومبادئه وحقائقه في حملة مسعورة تتمثل فيما يسمى التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) مشددا البيان على ان التفريق في قوانين الدول حظرا وإباحة بين مآذن المساجد وبين أبراج الكنائس والمعابد ينبئ عن تطرف مثاره الحقد والكراهية التي تبغضها الديانات السماوية والعلاقات الدولية. وأشاد المجمع في بيانه بالمواقف المشرفة التي عارضت هذا الاستفتاء ونتائجه والتي تبنتها الكثير من الدول والهيئات والمؤسسات الغربية ، وفي مقدمتها الحكومة السويسرية والفاتيكان ومنظمة العفو الدولية ، كما حيا المواقف البناءة التي استنكرت وشجبت ونددت بهذا الاستفتاء ونتائجه . ونوه المجمع بما بيّنته وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي في وصفها الأساليب التي استخدمت في الاستفتاء قائلة «إن النقاش الذي دار حول ذلك لم يكن نزيها ، وذكرت أن الجهات المسئولة عن الاستفتاء استخدمت الكذب والخوف وأعطت انطباعاً بأن مئات المآذن ستبنى في سويسرا». وقالت أمانة المجمع «إن ذلك كان بهدف التهويل والإثارة المغرضة تحقيقاً للأهواء المشبوهة والرغبات المسمومة ، علماً بأن عدد المآذن القائمة في سـويسرا في الوقت الحاضر لا يتجاوز أربع مآذن .. والمطلوب الآن من الحكومة السويسرية تأكيداً لموضوعيتها وقياماً بواجبها العمل على اتخاذ الإجراءات العملية اللازمة لوقف هذه الممارسات السيئة ومنع أي انعكاسات أو تطبيق لها في الواقع» . وأكد البيان أن المجمع إذ يقف مع المسلمين في الاتحاد السويسري في قضيتهم هذه ويذكرهم بواجبهم والتحلي بالصبر واتخاذ شتى السبل المتاحة المتوافقة مع الدستور للحفاظ على هويتهم ووجودهم الإسلامي والدفاع عن خصوصياتهم الدينية والحضارية والثقافية وتكثيف الجهود في تحصيل حقوقهم الدينية والسعي لإيجاد الحلول الشرعية الملائمة لظروفهم ويحيطهم علما بأن مقتضيات المواطنة في الغرب لا تتنافى مع المحافظة على الهوية الإسلامية والالتزام بالقيم الإسلامية كما يدعوهم للمحافظة على ثوابتهم الإسلامية وأن يكونوا نماذج حضارية تُمثل الإسلام بسلوكياتهم وتعاملهم مع الآخرين. وطالبت أمانة المجمع الاتحاد السويسري بحل هذه المشكلة في أسرع وقت ممكن وبنزع فتيل هذه الفتنة بكل حكمة ورغبة وعدم إخضاع هذه المبادئ الراسخة في المجتمع الإنساني للاستفتاء والمقولات التي تتحكم بها الأهواء الضيقة والمصالح المحدودة وبخاصة ان أهمية المئذنة للمسجد بالنسبة للمسلمين تبرز من كونها تُعرّف بالمسجد الذي يحق لكل المسلمين أن يأووا إليه لأداء شـعائر دينهم كما أنها تميز دور العبادة عن غيرها ويرتبط احترامها باحترام الدين وما يمثله . وأشار البيان إلى أن أمانة المجمع تأمل أن تتخذ الحكومة السويسرية خاصة والحكومات الغربية عامة مواقف حازمة مع الجهات والأشخاص الذين يسعون لزرع بذور الفتنة والشقاق بين المواطنين في البلد الواحد وبين الأمم الشعوب ، وأن يتم ذلك في إطار تحرك دولي راشد ضد هذا التمييز الديني والتعصب الحاقد ، يحذر منهم ويحجم دورهم إعلاميا وسياسيا واجتماعيا ، قبل أن يجروا البلاد والعباد إلى مظاهر عنف وتطرف لا تحمد عقباها.
المصدر: جريدة اليوم الأربعاء 1430-12-22هـ الموافق 2009-12-09مالعدد 13326 السنة الأربعون
http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=13326&P=2&G=2